الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الأم ***
أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ رحمه الله: قَالَ: قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا}. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَذَكَرَ اللَّهُ الْبَيْعَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ كِتَابِهِ بِمَا يَدُلُّ عَلَى إبَاحَتِهِ فَاحْتَمَلَ إحْلاَلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ الْبَيْعَ مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ أَحَلَّ كُلَّ بَيْعِ تَبَايَعَهُ الْمُتَبَايِعَانِ جَائِزِي الْأَمْرِ فِيمَا تَبَايَعَاهُ عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَهَذَا أَظْهَرُ مَعَانِيهِ. قال: وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَحَلَّ الْبَيْعَ إذَا كَانَ مِمَّا لَمْ يَنْهَ عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُبَيِّنُ عَنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَعْنَى مَا أَرَادَ فَيَكُونُ هَذَا مِنْ الْجُمَلِ الَّتِي أَحْكَمَ اللَّهُ فَرْضَهَا بِكِتَابِهِ وَبَيَّنَ كَيْفَ هِيَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ، أَوْ مِنْ الْعَامِّ الَّذِي أَرَادَ بِهِ الْخَاصَّ فَبَيَّنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أُرِيدَ بِإِحْلاَلِهِ مِنْهُ وَمَا حُرِّمَ، أَوْ يَكُونُ دَاخِلاً فِيهِمَا، أَوْ مِنْ الْعَامِّ الَّذِي أَبَاحَهُ إلَّا مَا حُرِّمَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُ وَمَا فِي مَعْنَاهُ كَمَا كَانَ الْوُضُوءُ فَرْضًا عَلَى كُلِّ مُتَوَضِّئٍ لاَ خَفِيَ عَلَيْهِ لَبْسُهُمَا عَلَى كَمَالِ الطَّهَارَةِ، وَأَيُّ هَذِهِ الْمَعَانِي كَانَ فَقَدْ أَلْزَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى خَلْقَهُ بِمَا فَرَضَ مِنْ طَاعَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بُيُوعٍ تَرَاضَى بِهَا الْمُتَبَايِعَانِ اسْتَدْلَلْنَا عَلَى أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَرَادَ بِمَا أَحَلَّ مِنْ الْبُيُوعِ مَا لَمْ يَدُلَّ عَلَى تَحْرِيمِهِ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دُونَ مَا حَرَّمَ عَلَى لِسَانِهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَأَصْلُ الْبُيُوعِ كُلِّهَا مُبَاحٌ إذَا كَانَتْ بِرِضَا الْمُتَبَايِعَيْنِ الْجَائِزَيْ الْأَمْرِ فِيمَا تَبَايَعَا إلَّا مَا نَهَى عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهَا وَمَا كَانَ فِي مَعْنَى مَا نَهَى عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحَرَّمٌ بِإِذْنِهِ دَاخِلٌ فِي الْمَعْنَى الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، وَمَا فَارَقَ ذَلِكَ أَبَحْنَاهُ بِمَا وَصَفْنَا مِنْ إبَاحَةِ الْبَيْعِ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَجِمَاعُ مَا يَجُوزُ مِنْ كُلِّ بَيْعٍ آجِلٍ وَعَاجِلٍ وَمَا لَزِمَهُ اسْمُ بَيْعٍ بِوَجْهٍ أَنَّهُ لاَ يَلْزَمُ الْبَائِعَ وَالْمُشْتَرِيَ حَتَّى يُجْمِعَا أَنْ يَتَبَايَعَاهُ بِرِضًا مِنْهُمَا بِالتَّبَايُعِ بِهِ وَلاَ يَعْقِدَاهُ بِأَمْرٍ مَنْهِيٍّ عَنْهُ وَلاَ عَلَى أَمْرٍ مَنْهِيٍّ عَنْهُ وَأَنْ يَتَفَرَّقَا بَعْدَ تَبَايُعِهِمَا عَنْ مَقَامِهِمَا الَّذِي تَبَايَعَا فِيهِ عَلَى التَّرَاضِي بِالْبَيْعِ فَإِذَا اجْتَمَعَ هَذَا لَزِمَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْبَيْعُ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ رَدُّهُ إلَّا بِخِيَارٍ أَوْ عَيْبٍ يَجِدُهُ أَوْ شَرْطٍ يَشْرِطُهُ أَوْ خِيَارِ رُؤْيَةٍ وَقَالَ لاَ يَجُوزُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَصْلُ الْبَيْعِ بَيْعَانِ لاَ ثَالِثَ لَهُمَا بَيْعُ صِفَةٍ مَضْمُونَةٍ عَلَى بَائِعِهَا، فَإِذَا جَاءَ بِهَا خِيَارٌ لِلْمُشْتَرِي فِيمَا إذَا كَانَتْ عَلَى صِفَتِهِ، وَبَيْعُ عَيْنٍ مَضْمُونَةٍ عَلَى بَائِعِهَا بِعَيْنِهَا يُسَلِّمُهَا الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي فَإِذَا تَلِفَتْ لَمْ يَضْمَنْ سِوَى الْعَيْنِ الَّتِي بَاعَ وَلاَ يَجُوزُ بَيْعُ غَيْرِ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ، وَهَذَانِ مُفْتَرَقَانِ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: أَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الْمُتَبَايِعَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا إلَّا بَيْعَ الْخِيَارِ». أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ أَمْلَى عَلَيَّ نَافِعٌ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهَ بْنَ عُمَرَ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إذَا تَبَايَعَ الْمُتَبَايِعَانِ الْبَيْعَ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ مِنْ بَيْعِهِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا أَوْ يَكُونُ بَيْعُهُمَا عَنْ خِيَارٍ». قَالَ نَافِعٌ وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ إذَا ابْتَاعَ الْبَيْعَ فَأَرَادَ أَنْ يُوجِبَ الْبَيْعَ مَشَى قَلِيلاً ثُمَّ رَجَعَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي الْخَلِيلِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَّا وَجَبَتْ الْبَرَكَةُ فِي بَيْعِهِمَا، وَإِنْ كَذَبَا وَكَتَمَا مُحِقَتْ الْبَرَكَةُ مِنْ بَيْعِهِمَا». أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ يَحْيَى بْنُ حَسَّانَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ جَمِيلِ بْنِ مُرَّةَ عَنْ أَبِي الْوَضِيءِ قَالَ كُنَّا فِي غَزَاةٍ فَبَاعَ صَاحِبٌ لَنَا فَرَسًا مِنْ رَجُلٍ فَلَمَّا أَرَدْنَا الرَّحِيلَ خَاصَمَهُ فِيهِ إلَى أَبِي بَرْزَةَ فَقَالَ لَهُ أَبُو بَرْزَةَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «الْبَيْعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا». قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَفِي الْحَدِيثِ مَا يُبَيِّنُ هَذَا أَيْضًا لَمْ يَحْضُرْ الَّذِي حَدَّثَنِي حِفْظَهُ وَقَدْ سَمِعْتُهُ مِنْ غَيْرِهِ أَنَّهُمَا بَاتَا لَيْلَةً ثُمَّ غَدَوْا عَلَيْهِ فَقَالَ لاَ أَرَاكُمَا تَفَرَّقْتُمَا وَجَعَلَ لَهُ الْخِيَارَ إذَا بَاتَا مَكَانًا وَاحِدًا بَعْدَ الْبَيْعِ. قال: أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ قَالَ إذَا وَجَبَ الْبَيْعُ خَيَّرَهُ بَعْدَ وُجُوبِهِ قَالَ يَقُولُ اخْتَرْ إنْ شِئْت فَخُذْ، وَإِنْ شِئْت فَدَعْ قَالَ فَقُلْت لَهُ فَخَيَّرَهُ بَعْدَ وُجُوبِ الْبَيْعِ فَأَخَذَ ثُمَّ نَدِمَ قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقَا مِنْ مَجْلِسِهِمَا ذَلِكَ أَتَقْبَلُهُ مِنْهُ لاَ بُدَّ؟ قَالَ لاَ أَحْسَبُهُ إذَا خَيَّرَهُ بَعْدَ وُجُوبِ الْبَيْعِ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ الثَّقَفِيُّ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ أَبِي تَمِيمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ شُرَيْحٍ أَنَّهُ قَالَ شَاهِدَانِ ذَوَا عَدْلٍ إنَّكُمَا افْتَرَقْتُمَا بَعْدَ رِضًا بِبَيْعٍ أَوْ خَيَّرَ أَحَدُكُمَا صَاحِبَهُ بَعْدَ الْبَيْعِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَبِهَذَا نَأْخُذُ وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِ مِنْ أَهْلِ الْحِجَازِ وَالْأَكْثَرِ مِنْ أَهْلِ الْآثَارِ بِالْبُلْدَانِ. قال: وَكُلُّ مُتَبَايِعَيْنِ فِي سَلَفٍ إلَى أَجَلٍ أَوْ دَيْنٍ أَوْ عَيْنٍ أَوْ صَرْفٍ أَوْ غَيْرِهِ تَبَايَعَا وَتَرَاضَيَا وَلَمْ يَتَفَرَّقَا عَنْ مَقَامِهِمَا أَوْ مَجْلِسِهِمَا الَّذِي تَبَايَعَا فِيهِ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَسْخُ الْبَيْعِ وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْبَيْعُ حَتَّى لاَ يَكُونَ لَهُ رَدُّهُ إلَّا بِخِيَارٍ أَوْ شَرْطِ خِيَارٍ أَوْ مَا وَصَفْت إذَا تَبَايَعَا فِيهِ وَتَرَاضَيَا وَتَفَرَّقَا بَعْدَ الْبَيْعِ عَنْ مَقَامِهِمَا الَّذِي تَبَايَعَا فِيهِ أَوْ كَانَ بَيْعُهُمَا عَنْ خِيَارٍ فَإِنَّ الْبَيْعَ يَجِبُ بِالتَّفَرُّقِ وَالْخِيَارِ. قال: وَاحْتَمَلَ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إلَّا بَيْعَ الْخِيَارِ» مَعْنَيَيْنِ أَظْهَرُهُمَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِاللِّسَانِ وَأَوْلاَهُمَا بِمَعْنَى السُّنَّةِ وَالِاسْتِدْلاَلِ بِهَا وَالْقِيَاسُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذْ جَعَلَ الْخِيَارَ لِلْمُتَبَايِعَيْنِ فَالْمُتَبَايِعَانِ اللَّذَانِ عَقَدَا الْبَيْعَ حَتَّى يَتَفَرَّقَا إلَّا بَيْعَ الْخِيَارِ فَإِنَّ الْخِيَارَ إذَا كَانَ لاَ يَنْقَطِعُ بَعْدَ عَقْدِ الْبَيْعِ فِي السُّنَّةِ حَتَّى يَتَفَرَّقَا وَتَفَرُّقُهُمَا هُوَ أَنْ يَتَفَرَّقَا عَنْ مَقَامِهِمَا الَّذِي تَبَايَعَا فِيهِ كَانَ بِالتَّفَرُّقِ أَوْ بِالتَّخْيِيرِ وَكَانَ مَوْجُودًا فِي اللِّسَانِ وَالْقِيَاسِ إذَا كَانَ الْبَيْعُ يَجِبُ بِشَيْءٍ بَعْدَ الْبَيْعِ وَهُوَ الْفِرَاقُ أَنْ يَجِبَ بِالثَّانِي بَعْدَ الْبَيْعِ فَيَكُونُ إذَا خَيَّرَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ بَعْدَ الْبَيْعِ كَانَ الْخِيَارُ تَجْدِيدَ شَيْءٍ يُوجِبُهُ كَمَا كَانَ التَّفَرُّقُ تَجْدِيدَ شَيْءٍ يُوجِبُهُ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ سُنَّةٌ بَيِّنَةٌ بِمِثْلِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ كَانَ مَا وَصَفْنَا أَوْلَى الْمَعْنَيَيْنِ أَنْ يُؤْخَذَ بِهِ لِمَا وَصَفْت مِنْ الْقِيَاسِ مَعَ أَنَّ سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ أَخْبَرَنَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: خَيَّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلاً بَعْدَ الْبَيْعِ فَقَالَ الرَّجُلُ: عَمْرَك اللَّهُ مِمَّنْ أَنْتَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «امْرُؤٌ مِنْ قُرَيْشٍ» قَالَ: وَكَانَ أَبِي يَحْلِفُ مَا الْخِيَارُ إلَّا بَعْدَ الْبَيْعِ. قال: وَبِهَذَا نَقُولُ: وَقَدْ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: يَجِبُ الْبَيْعُ بِالتَّفَرُّقِ بَعْدَ الصَّفْقَةِ وَيَجِبُ بِأَنْ يَعْقِدَ الصَّفْقَةَ عَلَى خِيَارٍ وَذَلِكَ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لَك بِسِلْعَتِك كَذَا بَيْعًا خِيَارًا فَيَقُولُ: قَدْ اخْتَرْت الْبَيْعَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَيْسَ نَأْخُذُ بِهَذَا وَقَوْلُنَا الْأَوَّلُ: لاَ يَجِبُ الْبَيْعُ إلَّا بِتَفَرُّقِهِمَا أَوْ تَخْيِيرِ أَحَدِهِمَا صَاحِبَهُ بَعْدَ الْبَيْعِ فَيَخْتَارُهُ. قال: وَإِذَا تَبَايَعَ الْمُتَبَايِعَانِ السِّلْعَةَ وَتَقَابَضَا أَوْ لَمْ يَتَقَابَضَا فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا أَوْ يُخَيِّرْ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ بَعْدَ الْبَيْعِ، فَإِذَا خَيَّرَهُ وَجَبَ الْبَيْعُ بِمَا يَجِبُ بِهِ إذَا تَفَرَّقَا، وَإِنْ تَقَابَضَا وَهَلَكَتْ السِّلْعَةُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي قَبْلَ التَّفَرُّقِ أَوْ الْخِيَارِ فَهُوَ ضَامِنٌ لَقِيمَتِهَا بَالِغًا مَا بَلَغَ كَانَ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِهَا؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ لَمْ يَتِمَّ فِيهَا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِنْ هَلَكَتْ فِي يَدِ الْبَائِعِ قَبْلَ قَبْضِ الْمُشْتَرِي لَهَا وَقَبْلَ التَّفَرُّقِ أَوْ بَعْدَهُ انْفَسَخَ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا وَلاَ تَكُونُ مِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي حَتَّى يَقْبِضَهَا، فَإِنْ قَبَضَهَا ثُمَّ رَدَّهَا عَلَى الْبَائِعِ وَدِيعَةً فَهُوَ كَغَيْرِهِ مِمَّنْ أَوْدَعَهُ إيَّاهَا، وَإِنْ تَفَرَّقَا فَمَاتَتْ فَهِيَ مِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي وَعَلَيْهِ ثَمَنُهَا، وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرَى أَمَةً فَأَعْتَقَهَا الْمُشْتَرِي قَبْلَ التَّفَرُّقِ أَوْ الْخِيَارِ فَاخْتَارَ الْبَائِعُ نَقْضَ الْبَيْعِ كَانَ لَهُ ذَلِكَ وَكَانَ عِتْقُ الْمُشْتَرِي بَاطِلاً لِأَنَّهُ أَعْتَقَ مَا لَمْ يَتِمَّ لَهُ مِلْكُهُ، وَإِذَا أَعْتَقَهَا الْبَائِعُ كَانَ عِتْقُهُ جَائِزًا لِأَنَّهَا لَمْ تُمْلَكْ عَلَيْهِ مِلْكًا يَقْطَعُ الْمِلْكَ الْأَوَّلَ عَنْهَا إلَّا بِتَفَرُّقٍ بَعْدَ الْبَيْعِ أَوْ خِيَارٍ وَأَنَّ كُلَّ مَا لَمْ يَتِمَّ فِيهِ مِلْكُ الْمُشْتَرِي فَالْبَائِعُ أَحَقُّ بِهِ إذَا شَاءَ؛ لِأَنَّ أَصْلَ الْمِلْكِ كَانَ لَهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: وَكَذَلِكَ لَوْ عَجَّلَ الْمُشْتَرِي فَوَطِئَهَا قَبْلَ التَّفَرُّقِ فِي غَفْلَةٍ مِنْ الْبَائِعِ عَنْهُ فَاخْتَارَ الْبَائِعُ فَسْخَ الْبَيْعِ كَانَ لَهُ فَسْخُهُ وَكَانَ عَلَى الْمُشْتَرِي مَهْرُ مِثْلِهَا لِلْبَائِعِ، وَإِنْ أَحَبْلهَا فَاخْتَارَ الْبَائِعُ رَدَّ الْبَيْعِ كَانَ لَهُ رَدُّهُ وَكَانَتْ الْأَمَةُ لَهُ وَلَهُ مَهْرُ مِثْلِهَا فَأَعْتَقْنَا وَلَدَهَا بِالشُّبْهَةِ وَجَعَلْنَا عَلَى الْمُشْتَرِي قِيمَةَ وَلَدِهِ يَوْمَ وُلِدَ، وَإِنْ وَطِئَهَا الْبَائِعُ فَهِيَ أَمَتُهُ وَالْوَطْءُ كَالِاخْتِيَارِ مِنْهُ لِفَسْخِ الْبَيْعِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِنْ مَاتَ أَحَدُ الْمُتَبَايِعَيْنِ قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقَا قَامَ وَرَثَتُهُ مَقَامَهُ وَكَانَ لَهُمْ الْخِيَارُ فِي الْبَيْعِ مَا كَانَ لَهُ، وَإِنْ خَرِسَ قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقَا أَوْ غُلِبَ عَلَى عَقْلِهِ أَقَامَ الْحَاكِمُ مَقَامَهُ مَنْ يَنْظُرُ لَهُ وَجَعَلَ لَهُ الْخِيَارَ فِي رَدِّ الْبَيْعِ أَوْ أَخْذِهِ فَأَيُّهُمَا فَعَلَ ثُمَّ أَفَاقَ الْآخَرُ فَأَرَادَ نَقْضَ مَا فَعَلَهُ مَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُمْضِيَ الْحُكْمَ عَلَيْهِ بِهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرَى أَمَةً فَوَلَدَتْ أَوْ بَهِيمَةً فَنَتَجَتْ قَبْلَ التَّفَرُّقِ فَهُمَا عَلَى الْخِيَارِ، فَإِنْ اخْتَارَا إنْفَاذَ الْبَيْعِ أَوْ تَفَرَّقَا فَالْوَلَدُ لِلْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ عَقْدَ الْبَيْعِ وَقَعَ وَهُوَ حَمْلٌ. وَكَذَلِكَ كُلُّ خِيَارٍ بِشَرْطٍ جَائِزٍ فِي أَصْلِ الْعَقْدِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: فَخَالَفَنَا بَعْضُ النَّاسِ فِيمَا يَجِبُ بِهِ الْبَيْعُ فَقَالَ: إذَا عُقِدَ الْبَيْعُ وَجَبَ وَلاَ أُبَالِي أَنْ لاَ يُخَيِّرَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ قَبْلَ بَيْعٍ وَلاَ بَعْدَهُ وَلاَ يَتَفَرَّقَانِ بَعْدَهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَقِيلَ لِبَعْضِ مَنْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ إلَى أَيِّ شَيْءٍ ذَهَبْت فِي هَذَا الْقَوْلِ؟ قَالَ أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَهَذَا بَيْعٌ وَإِنَّمَا أَحَلَّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْهُ لِلْمُشْتَرِي مَا لَمْ يَكُنْ يَمْلِكُ وَلاَ أَعْرِفُ الْبَيْعَ إلَّا بِالْكَلاَمِ لاَ بِتَفَرُّقِ الْأَبَدَانِ فَقُلْت لَهُ: أَرَأَيْت لَوْ عَارَضَك مُعَارِضٌ جَاهِلٌ بِمِثْلِ حُجَّتِك فَقَالَ مِثْلَ مَا قُلْت أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَلاَ أَعْرِفُ بَيْعًا حَلاَلاً وَآخَرَ حَرَامًا وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَلْزَمُهُ اسْمُ الْبَيْعِ مَا الْحُجَّةُ عَلَيْهِ؟ قَالَ إذْ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بُيُوعٍ فَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُبَيِّنُ عَنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَعْنَى مَا أَرَادَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: قُلْت لَهُ وَلَك بِهَذَا حُجَّةٌ فِي النَّهْيِ فَمَا عَلِمْنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَنَّ سُنَّةً فِي الْبُيُوعِ أَثْبَتَ مِنْ قَوْلِهِ: «الْمُتَبَايِعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا» فَإِنَّ ابْنَ عُمَرَ وَأَبَا بَرْزَةَ وَحَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ يَرْوُونَهُ وَلَمْ يُعَارِضْهُمْ أَحَدٌ بِحَرْفٍ يُخَالِفُهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ نَهَى عَنْ الدِّينَارِ بِالدِّينَارَيْنِ، فَعَارَضَ ذَلِكَ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ بِخَبَرٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خِلاَفِهِ، فَنَهَيْنَا نَحْنُ وَأَنْتَ عَنْ الدِّينَارِ بِالدِّينَارَيْنِ وَقُلْنَا هَذَا أَقْوَى فِي الْحَدِيثِ وَمَعَ مَنْ خَالَفْنَا مِثْلُ مَا احْتَجَجْت بِهِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَحَلَّ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا وَأَنَّ نَهْيَهُ عَنْ الرِّبَا خِلاَفُ مَا رَوَيْته وَرَوَوْهُ أَيْضًا عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعُرْوَةَ وَعَامَّةُ فُقَهَاءِ الْمَكِّيِّينَ فَإِذَا كُنَّا نُمَيِّزُ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ فَنَذْهَبُ إلَى الْأَكْثَرِ وَالْأَرْجَحِ، وَإِنْ اُخْتُلِفَ فِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَرَى لَنَا حُجَّةً عَلَى مَنْ خَالَفَنَا أَفَمَا نَرَى أَنَّ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّا لَمْ يُخَالِفْهُ أَحَدٌ بِرِوَايَةٍ عَنْهُ أَوْلَى أَنْ يَثْبُتَ؟ قَالَ بَلَى إنْ كَانَ كَمَا تَقُولُ قُلْت فَهُوَ كَمَا أَقُولُ فَهَلْ تَعْلَمُ مُعَارِضًا لَهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخَالِفُهُ؟ قَالَ لاَ وَلَكِنِّي أَقُولُ إنَّهُ ثَابِتٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا قُلْت وَبِهِ أَقُولُ وَلَكِنَّ مَعْنَاهُ عَلَى غَيْرِ مَا قُلْت، قُلْت فَاذْكُرْ لِي الْمَعْنَى الَّذِي ذَهَبْت إلَيْهِ فِيهِ قَالَ الْمُتَبَايِعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا فِي الْكَلاَمِ قَالَ فَقُلْت لَهُ الَّذِي ذَهَبْت إلَيْهِ مُحَالٌ لاَ يَجُوزُ فِي اللِّسَانِ قَالَ وَمَا إحَالَتُهُ؟ وَكَيْفَ لاَ يَحْتَمِلُهُ اللِّسَانُ؟ قُلْت إنَّمَا يَكُونَانِ قَبْلَ التَّسَاوُمِ غَيْرَ مُتَسَاوِمَيْنِ ثُمَّ يَكُونَانِ مُتَسَاوِمَيْنِ قَبْلَ التَّبَايُعِ ثُمَّ يَكُونَانِ بَعْدَ التَّسَاوُمِ مُتَبَايِعَيْنِ وَلاَ يَقَعُ عَلَيْهِمَا اسْمُ مُتَبَايِعَيْنِ حَتَّى يَتَبَايَعَا وَيَفْتَرِقَا فِي الْكَلاَمِ عَلَى التَّبَايُعِ. قال: فَقَالَ فَادْلُلْنِي عَلَى مَا وَصَفْت بِشَيْءٍ أَعْرِفُهُ غَيْرَ مَا قُلْت الْآنَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَقُلْت لَهُ أَرَأَيْت لَوْ تَسَاوَمْت أَنَا وَأَنْتَ بِسِلْعَةِ رَجُلٍ امْرَأَتُهُ طَالِقٌ إنْ كُنْتُمَا تَبَايَعْتُمَا فِيهَا؟ قَالَ فَلاَ تَطْلُقُ مِنْ قِبَلِ أَنَّكُمَا غَيْرُ مُتَبَايِعَيْنِ إلَّا بِعَقْدِ الْبَيْعِ، قُلْت وَعَقْدُ الْبَيْعِ التَّفَرُّقُ عِنْدَك فِي الْكَلاَمِ عَنْ الْبَيْعِ؟ قَالَ نَعَمْ، قُلْت أَرَأَيْت لَوْ تَقَاضَيْتُك حَقًّا عَلَيْك، فَقُلْت وَاَللَّهِ لاَ أُفَارِقُك حَتَّى تُعْطِيَنِي حَقِّي مَتَى أَحْنَثُ، قَالَ إنْ فَارَقْتَهُ بِبَدَنِك قَبْلَ أَنْ يُعْطِيَك حَقَّك، قُلْت فَلَوْ لَمْ تَعْرِفْ مِنْ لِسَانِ الْعَرَبِ شَيْئًا إلَّا هَذَا أَمَا دَلَّك عَلَى أَنَّ قَوْلَك مُحَالٌ وَأَنَّ اللِّسَانَ لاَ يَحْتَمِلُهُ بِهَذَا الْمَعْنَى وَلاَ غَيْرِهِ؟ قَالَ فَاذْكُرْ غَيْرَهُ، فَقُلْت لَهُ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ أَنَّهُ الْتَمَسَ صَرْفًا بِمِائَةِ دِينَارٍ، قَالَ فَدَعَانِي طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ فَتَرَاوَضْنَا حَتَّى اصْطَرَفَ مِنِّي وَأَخَذَ الذَّهَبَ يُقَلِّبُهَا فِي يَدِهِ ثُمَّ قَالَ حَتَّى يَأْتِيَ خَازِنِي أَوْ حَتَّى تَأْتِيَ خَازِنَتِي مِنْ الْغَابَةِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَنَا شَكَكْت وَعُمَرُ يَسْمَعُ فَقَالَ عُمَرُ وَاَللَّهِ لاَ تُفَارِقُهُ حَتَّى تَأْخُذَ مِنْهُ، ثُمَّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الذَّهَبُ بِالْوَرِقِ رِبًا إلَّا هَاءَ وَهَاءَ»، قُلْت لَهُ أَفَبِهَذَا نَقُولُ نَحْنُ وَأَنْتَ إذَا تَفَرَّقَ الْمُصْطَرِفَانِ عَنْ مَقَامِهِمَا الَّذِي تَصَارَفَا فِيهِ انْتَقَضَ الصَّرْفُ وَمَا لَمْ يَتَفَرَّقَا لَمْ يُنْتَقَضْ؟ فَقَالَ: نَعَمْ قُلْت لَهُ فَمَا بَانَ لَك وَعَرَفْت مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ التَّفَرُّقَ هُوَ تَفَرُّقُ الْأَبَدَانِ بَعْدَ التَّبَايُعِ لاَ التَّفَرُّقُ عَنْ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّك لَوْ قُلْت تَفَرَّقَ الْمُتَصَارِفَانِ عَنْ الْبَيْعِ قَبْلَ التَّقَابُضِ لِبَعْضِ الصَّرْفِ دَخَلَ عَلَيْك أَنْ تَقُولَ لاَ يَحِلُّ الصَّرْفُ حَتَّى يَتَرَاضَيَا وَيَتَوَازَنَا وَيَعْرِفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا يَأْخُذُ وَيُعْطِي ثُمَّ يُوجِبَا الْبَيْعَ فِي الصَّرْفِ بَعْدَ التَّقَابُضِ أَوْ مَعَهُ، قَالَ لاَ أَقُولُ هَذَا، قُلْت وَلاَ أَرَى قَوْلَك التَّفَرُّقَ تَفَرُّقُ الْكَلاَمِ إلَّا جَهَالَةً أَوْ تَجَاهُلاً بِاللِّسَانِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: قُلْت لَهُ أَرَأَيْت رَجُلاً قَالَ لَك أُقَلِّدُك فَأَسْمَعُك تَقُولُ الْمُتَبَايِعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا وَالتَّفَرُّقُ عِنْدَك التَّفَرُّقُ بِالْكَلاَمِ وَأَنْتَ تَقُولُ إذَا تَفَرَّقَ الْمُتَصَارِفَانِ قَبْلَ التَّقَابُضِ كَانَ الصَّرْفُ رِبًا وَهُمَا فِي مَعْنَى الْمُتَبَايِعَيْنِ غَيْرَهُمَا؛ لِأَنَّ الْمُتَصَارِفَيْنِ مُتَبَايِعَانِ، وَإِذَا تَفَرَّقَا عَنْ الْكَلاَمِ قَبْلَ التَّقَابُضِ فَسَدَ الصَّرْفُ قَالَ لَيْسَ هَذَا لَهُ، قُلْت فَيَقُولُ لَك كَيْفَ صِرْت إلَى نَقْضِ قَوْلِك؟ قَالَ إنَّ عُمَرَ سَمِعَ طَلْحَةَ وَمَالِكًا قَدْ تَصَارَفَا فَلَمْ يَنْقُضْ الصَّرْفَ وَرَأَى أَنَّ قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَاءَ وَهَاءَ» إنَّمَا هُوَ لاَ يَتَفَرَّقَا حَتَّى تَقَاضَا قُلْت تَفَرَّقَا عَنْ الْكَلاَمِ، قَالَ نَعَمْ: قُلْت فَقَالَ لَك أَفَرَأَيْت لَوْ احْتَمَلَ اللِّسَانُ مَا قُلْت وَمَا قَالَ مَنْ خَالَفَك أَمَا يَكُونُ مَنْ قَالَ بِقَوْلِ الرَّجُلِ الَّذِي سَمِعَ الْحَدِيثَ أَوْلَى أَنْ يُصَارَ إلَى قَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي سَمِعَ الْحَدِيثَ فَلَهُ فَضْلُ السَّمَاعِ وَالْعِلْمِ بِمَا سَمِعَ وَبِاللِّسَانِ؟ قَالَ بَلَى قُلْت فَلَمْ لَمْ تُعْطِ هَذَا ابْنَ عُمَرَ وَهُوَ سَمِعَ الْحَدِيثَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا». فَكَانَ إذَا اشْتَرَى شَيْئًا يُعْجِبُهُ أَنْ يَجِبَ لَهُ فَارَقَ صَاحِبَهُ فَمَشَى قَلِيلاً ثُمَّ رَجَعَ وَلِمَ لَمْ تُعْطِ هَذَا أَبَا بَرْزَةَ وَهُوَ سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ» وَقَضَى بِهِ وَقَدْ تَصَادَقَا بِأَنَّهُمَا تَبَايَعَا ثُمَّ كَانَ مَعًا لِمَ لَمْ يَتَفَرَّقَا فِي لَيْلَتِهِمَا ثُمَّ غَدَوَا إلَيْهِ فَقَضَى أَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْخِيَارَ فِي رَدِّ بَيْعِهِ؟ قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ تَقُولُ إنَّ قَوْلِي مُحَالٌ؟ قُلْت نَعَمْ قَالَ فَمَا أَحْسَبُنِي إلَّا قَدْ اكْتَفَيْت بِأَقَلَّ مِمَّا ذَكَرْت وَأَسْأَلُكَ قَالَ فَسَلْ قُلْت أَفَرَأَيْت إذْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا إلَّا بَيْعَ الْخِيَارِ» أَلَيْسَ قَدْ جَعَلَ إلَيْهِمَا الْخِيَارَ إلَى وَقْتَيْنِ يَنْقَطِعُ الْخِيَارُ إلَى أَيِّهِمَا كَانَ؟ قَالَ لِي قُلْت فَمَا الْوَقْتَانِ؟ قَالَ أَنْ يَتَفَرَّقَا بِالْكَلاَمِ، قُلْت فَمَا الْوَجْهُ الثَّانِي؟ قَالَ لاَ أَعْرِفُ لَهُ وَجْهًا فَدَعْهُ، قُلْت أَفَرَأَيْت إنْ بِعْتُك بَيْعًا وَدَفَعْتُهُ إلَيْك، فَقُلْت أَنْتَ فِيهِ بِالْخِيَارِ إلَى اللَّيْلِ مِنْ يَوْمِك هَذَا وَأَنْ تَخْتَارَ إجَازَةَ الْبَيْعِ قَبْلَ اللَّيْلِ أَجَائِزٌ هَذَا الْبَيْعُ؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْت فَمَتَى يَنْقَطِعُ خِيَارُك وَيَلْزَمُك الْبَيْعُ فَلاَ يَكُونُ لَك رَدُّهُ؟ قَالَ إنْ انْقَضَى الْيَوْمُ وَلَمْ أَخْتَرْ رَدَّ الْبَيْعِ انْقَطَعَ الْخِيَارُ فِي الْبَيْعِ، أَوْ اخْتَرْت قَبْلَ اللَّيْلِ إجَازَةَ الْبَيْعِ انْقَطَعَ الْخِيَارُ فِي الرَّدِّ، قُلْت فَكَيْفَ لاَ تَعْرِفُ أَنَّ هَذَا قَطَعَ الْخِيَارَ فِي الْمُتَبَايِعَيْنِ أَنْ يَتَفَرَّقَا بَعْدَ الْبَيْعِ أَوْ يُخَيِّرَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ؟ قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَقَالَ، دَعْهُ، قُلْت نَعَمْ بَعْدَ الْعِلْمِ مِنِّي بِأَنَّك إنَّمَا عَمَدْت تَرْكَ الْحَدِيثِ وَأَنَّهُ لاَ يَخْفَى أَنَّ قَطْعَ الْخِيَارِ الْبَيْعَ التَّفَرُّقُ أَوْ التَّخْيِيرُ كَمَا عَرَفْتُهُ فِي جَوَابِك قَبْلَهُ، فَقُلْت لَهُ أَرَأَيْت إنْ زَعَمْتَ أَنَّ الْخِيَارَ إلَى مُدَّةٍ، وَزَعَمْتَ أَنَّهَا أَنْ يَتَفَرَّقَا فِي الْكَلاَمِ، أَيُقَالُ لِلْمُتَسَاوِمَيْنِ أَنْتُمَا بِالْخِيَارِ؟ قَالَ نَعَمْ، السَّائِمُ فِي أَنْ يَرُدَّ أَوْ يَدَعَ، وَالْبَائِعُ فِي أَنْ يُوجِبَ، أَوْ يَدَعَ، قُلْت أَلَمْ يَكُونَا قَبْلَ التَّسَاوُمِ هَكَذَا؟ قَالَ بَلَى، قُلْت: فَهَلْ أَحْدَثَ لَهُمَا التَّسَاوُمُ حُكْمًا غَيْرَ حُكْمِهِمَا قَبْلَهُ أَوْ يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ أَنَّهُ مَالِكٌ لِمَالِهِ إنْ شَاءَ أَعْطَاهُ، وَإِنْ شَاءَ مَنَعَهُ؟ قَالَ لاَ، قُلْت: فَيُقَالُ لِإِنْسَانٍ أَنْتَ بِالْخِيَارِ فِي مَالِك الَّذِي لَمْ تُوجِبْ فِيهِ شَيْئًا لِغَيْرِك فَالسَّائِمُ عِنْدَك لَمْ يُوجِبْ فِي مَالِهِ شَيْئًا لِغَيْرِهِ إنَّك لِتُحِيلَ فِيمَا تُجِيبُ فِيهِ مِنْ الْكَلاَمِ، قَالَ فَلِمَ لاَ أَقُولُ لَك أَنْتَ بِالْخِيَارِ فِي مَالِك؟ قُلْت لِمَا وَصَفْت لَك، وَإِنْ قُلْت ذَلِكَ إلَى مُدَّةٍ تَرَكْت قَوْلَك، قَالَ وَأَيْنَ؟ قُلْت وَأَنْتَ تَزْعُمُ أَنَّ مَنْ كَانَ لَهُ الْخِيَارُ إلَى مُدَّةٍ فَإِذَا اخْتَارَ انْقَطَعَ خِيَارُهُ كَمَا قُلْت إذَا جَعَلْتَهُ بِالْخِيَارِ يَوْمًا، فَمَضَى الْيَوْمُ انْقَطَعَ الْخِيَارُ، قَالَ أَجَلْ وَكَذَلِكَ إذَا أَوْجَبَ الْبَيْعَ فَهُوَ إلَى مُدَّةٍ، قُلْت لَمْ أُلْزِمْهُ قَبْلَ إيجَابِ الْبَيْعِ شَيْئًا فَيَكُونُ فِيهِ يَخْتَارُ وَلَوْ جَازَ أَنْ يُقَالَ أَنْتَ بِالْخِيَارِ فِي مَالِك مَا جَازَ أَنْ يُقَالَ أَنْتَ بِالْخِيَارِ إلَى مُدَّةٍ، إنَّمَا يُقَالُ، أَنْتَ بِالْخِيَارِ أَبَدًا، قَالَ: فَإِنْ قُلْت الْمُدَّةُ أَنْ يُخْرِجَهُ مِنْ مِلْكِهِ؟ قُلْت، وَإِذَا أَخْرَجَهُ مِنْ مِلْكِهِ، فَهُوَ لِغَيْرِهِ، أَفَيُقَالُ، لِأَحَدٍ أَنْتَ بِالْخِيَارِ فِي مَالِ غَيْرِك؟ قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَقُلْت أَرَأَيْت لَوْ أَنَّ رَجُلاً جَاهِلاً عَارَضَك بِمِثْلِ حُجَّتِك، فَقَالَ قَدْ قُلْت الْمُتَسَاوِمَانِ يَقَعُ عَلَيْهِمَا اسْمُ مُتَبَايِعَيْنِ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هُمَا بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا». وَالتَّفَرُّقُ عِنْدَك يَحْتَمِلُ تَفَرُّقَ الْأَبَدَانِ وَالتَّفَرُّقَ بِالْكَلاَمِ، فَإِنْ تَفَرَّقَا بِأَبْدَانِهِمَا، فَلاَ خِيَارَ لَهُمَا، وَعَلَى صَاحِبِ الْمَالِ أَنْ يُعْطِيَ بَيِّعَهُ مَا بَذَلَ لَهُ مِنْهُ، وَعَلَى صَاحِبِ السِّلْعَةِ أَنْ يُسَلِّمَ سِلْعَتَهُ لَهُ بِمَا اسْتَامَ عَلَيْهِ وَلاَ يَكُونُ لَهُ الرُّجُوعُ عَمَّا بَذَلَهَا بِهِ إذَا تَفَرَّقَا، قَالَ لَيْسَ ذَلِكَ لَهُ، قُلْت وَلاَ لَك. قَالَ الشَّافِعِيُّ: قَالَ أَفَلَيْسَ يَقْبُحُ أَنْ أَمْلِكَ سِلْعَتَك وَتَمْلِكَ مَالِي ثُمَّ يَكُونُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا الرَّدُّ بِغَيْرِ عَيْبٍ أَوْ لَيْسَ يَقْبُحُ أَنْ أَبْتَاعَ مِنْك عَبْدًا ثُمَّ أُعْتِقُهُ قَبْلَ أَنْ نَتَفَرَّقَ، وَلاَ يَجُوزُ عِتْقِي وَأَنَا مَالِكٌ؟ قَالَ الشَّافِعِيُّ: قُلْت لَيْسَ يَقْبُحُ فِي هَذَا شَيْءٌ، إلَّا دَخَلَ عَلَيْك أَعْظَمُ مِنْهُ، قَالَ، وَمَا ذَلِكَ؟ قُلْت أَرَأَيْت إنْ بِعْتُك عَبْدًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَتَقَابَضْنَا وَتَشَارَطْنَا أَنَّا جَمِيعًا أَوْ أَحَدَنَا بِالْخِيَارِ إلَى ثَلاَثِينَ سَنَةٍ؟ قَالَ، فَجَائِزٌ، قُلْت وَمَتَى شَاءَ وَاحِدٌ مِنَّا نَقْضَ الْبَيْعِ نَقَضَهُ، وَرُبَّمَا مَرِضَ الْعَبْدُ وَلَمْ يَنْتَفِعْ بِهِ سَيِّدُهُ وَانْتَفَعَ الْبَائِعُ بِالْمَالِ، وَرُبَّمَا الْمُبْتَاعُ بِالْعَبْدِ حَتَّى يَسْتَغِلَّ مِنْهُ أَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِهِ ثُمَّ يَرُدَّهُ، وَإِنْ كَانَ أَخَذَهُ بِدَيْنٍ وَلَمْ يَنْتَفِعْ الْبَائِعُ بِشَيْءٍ مِنْ مَالِ الْمُبْتَاعِ وَقَدْ عَظُمَتْ مَنْفَعَةُ الْمُبْتَاعِ بِمَالِ الْبَائِعِ؟ قَالَ نَعَمْ هُوَ رَضِيَ بِهَذَا، قُلْت، وَإِنْ أَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي فِي الثَّلاَثِينَ سَنَةٍ لَمْ يَجُزْ، وَإِنْ أَعْتَقَهُ الْبَائِعُ جَازَ، قَالَ نَعَمْ قُلْت فَإِنَّمَا جَعَلْتُ لَهُ الْخِيَارَ بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا»، وَلَعَلَّ ذَلِكَ يَكُونُ فِي طَرْفَةِ عَيْنٍ، أَوْ لاَ يَبْلُغُ يَوْمًا كَامِلاً لِحَاجَةِ النَّاسِ إلَى الْوُضُوءِ أَوْ تَفَرُّقِهِمْ لِلصَّلاَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَقَبَّحْتَهُ، وَجَعَلَتْ لَهُ الْخِيَارَ ثَلاَثِينَ سَنَةٍ بِرَأْيِ نَفْسِك فَلِمَ تُقَبِّحُهُ؟ قَالَ: ذَلِكَ بِشَرْطِهِمَا، قُلْتُ فَمَنْ شَرَطَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْلَى أَنْ يَثْبُتَ لَهُ شَرْطُهُ مِمَّنْ شَرَطَ لَهُ بَائِعٌ وَمُشْتَرٍ، وَقُلْتُ لَهُ: أَرَأَيْتَ لَوْ اشْتَرَيْتُ مِنْك كَيْلاً مِنْ طَعَامٍ مَوْصُوفٍ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ؟ قَالَ فَجَائِزٌ، قُلْتُ وَلَيْسَ لِي وَلاَ لَك نَقْضُ الْبَيْعِ قَبْلَ تَفَرُّقٍ؟ قَالَ لاَ، قُلْتُ، وَإِنْ تَفَرَّقْنَا قَبْلَ التَّقَابُضِ انْتَقَضَ الْبَيْعُ؟ قَالَ نَعَمْ قُلْتُ أَفَلَيْسَ قَدْ وَجَبَ لِي عَلَيْك شَيْءٌ لَمْ يَكُنْ لِي وَلاَ لَك نَقْضُهُ ثُمَّ انْتَقَضَ بِغَيْرِ رِضَا وَاحِدٍ مِنَّا بِنَقْضِهِ؟ قَالَ نَعَمْ إنَّمَا نَقَضْنَاهُ اسْتِدْلاَلاً بِالسُّنَّةِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ، قُلْتُ، فَإِنْ قَالَ لَك قَائِلٌ، أَهْلُ الْحَدِيثِ يُوَهِّنُونَ هَذَا الْحَدِيثَ، وَلَوْ كَانَ ثَابِتًا لَمْ يَكُنْ هَذَا دَيْنًا لِأَنِّي مَتَى شِئْتُ أَخَذْتَ مِنْكَ دَرَاهِمِي الَّتِي بِعْتُك بِهَا إذَا لَمْ أُسَمِّ لَك أَجَلاً، وَالطَّعَامُ إلَى مُدَّتِهِ، قَالَ: لاَ يَجُوزُ ذَلِكَ، قُلْتُ وَلِمَ وَعَلَيْكَ فِيهِ لِمَنْ طَالَبَكَ أَمْرَانِ، أَحَدُهُمَا أَنَّك تُجِيزُ تَبَايُعَ الْمُتَبَايِعَيْنِ الْعَرَضَ بِالنَّقْدِ وَلاَ يُسَمِّيَانِ أَجَلاً وَيَفْتَرِقَانِ قَبْلَ التَّقَابُضِ وَلاَ تَرَى بَأْسًا وَلاَ تَرَى هَذَا دَيْنًا بِدَيْنٍ، فَإِذَا كَانَ هَذَا هَكَذَا عِنْدَك احْتَمَلَ اللَّفْظُ أَنْ يُسَلِّفَ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ بِشَرْطِ سِلْعَةٍ وَإِنْ لَمْ يَدْفَعْهَا، فَيَكُونُ حَالًّا غَيْرَ دَيْنٍ بِدَيْنٍ وَلَكِنَّهُ عَيْنٌ بِدَيْنٍ قَالَ: بَلْ هُوَ دَيْنٌ بِدَيْنٍ قُلْتُ، فَإِنْ قَالَ لَك قَائِلٌ فَلَوْ كَانَ كَمَا وَصَفْتَ أَنَّهُمَا إذَا تَبَايَعَا فِي السَّلَفِ فَتَفَرَّقَا قَبْلَ التَّقَابُضِ انْتَقَضَ الْبَيْعُ بِالتَّفَرُّقِ، وَلَزِمَك أَنَّك قَدْ فَسَخْت الْعُقْدَةَ الْمُتَقَدِّمَةَ الصَّحِيحَةَ بِتَفَرُّقِهِمَا بِأَبْدَانِهِمَا. وَالتَّفَرُّقُ عِنْدَك فِي الْبُيُوعِ لَيْسَ لَهُ مَعْنَى إنَّمَا الْمَعْنَى فِي الْكَلاَمِ، أَوْ لَزِمَك أَنْ تَقُولَ فِي الْبَيِّعَيْنِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا: إنَّ لِتُفَرِّقْهُمَا بِأَبْدَانِهِمَا مَعْنًى يُوجِبُهُ كَمَا كَانَ لِتَفَرُّقِ هَذَيْنِ بِأَبْدَانِهِمَا مَعْنًى يَنْقُضُهُ وَلاَ تَقُولُ هَذَا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَقَالَ، فَإِنَّا رَوَيْنَا عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ، الْبَيْعُ عَنْ صَفْقَةٍ أَوْ خِيَارٍ، قُلْتُ أَرَأَيْتَ إذَا جَاءَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا وَصَفْتَ لَوْ كَانَ قَالَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ قَوْلاً يُخَالِفُهُ أَلاَ يَكُونُ الَّذِي تَذْهَبُ إلَيْهِ فِيهِ أَنَّهُ لَوْ سَمِعَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا لَمْ يُخَالِفْهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَتَقُولُ قَدْ يَعْزُبُ عَنْ بَعْضِهِمْ بَعْضُ السُّنَنِ؟ قَالَ: بَلَى قُلْتُ أَفَتَرَى فِي أَحَدٍ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُجَّةً؟ فَقَالَ عَامَّةُ مَنْ حَضَرَهُ: لاَ، قُلْتُ: وَلَوْ أَجَزْتَ هَذَا خَرَجَتْ مِنْ عَامَّةِ سُنَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَخَلَ عَلَيْكَ مَا لاَ تُعْذَرُ مِنْهُ، قَالَ فَدَعْهُ، قُلْتُ فَلَيْسَ بِثَابِتٍ عَنْ عُمَرَ، وَقَدْ رَوَيْتُمْ عَنْ عُمَرَ مِثْلَ قَوْلِنَا، زَعَمَ أَبُو يُوسُفَ عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّ عُمَرَ قَالَ الْبَيْعُ عَنْ صَفْقَةٍ أَوْ خِيَارٍ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَهَذَا مِثْلُ مَا رَوَيْنَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: فَهَذَا مُنْقَطِعٌ قُلْتُ وَحَدِيثُك الَّذِي رَوَيْت عَنْ عُمَرَ غَلَطٌ، وَمَجْهُولٌ، أَوْ مُنْقَطِعٌ، فَهُوَ جَامِعٌ لِجَمِيعِ مَا تُرَدُّ بِهِ الْأَحَادِيثُ، قَالَ لَئِنْ أَنْصَفْنَاك مَا يَثْبُتُ مِثْلُهُ، فَقُلْتُ احْتِجَاجُك بِهِ مَعَ مَعْرِفَتِكَ بِمَنْ حَدَّثَهُ وَعَمَّنْ حَدَّثَهُ تَرْكُ النَّصَفَةِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَقُلْتُ لَهُ: لَوْ كَانَ كَمَا رَوَيْتَ، كَانَ بِمَعْنَى قَوْلِنَا أَشْبَهَ وَكَانَ خِلاَفَ قَوْلِكَ كُلِّهِ، قَالَ وَمَنْ أَيْنَ؟ قُلْتُ أَرَأَيْت إذْ زَعَمْتَ أَنَّ عُمَرَ قَالَ الْبَيْعُ عَنْ صَفْقَةٍ أَوْ خِيَارٍ أَلَيْسَ تَزْعُمُ أَنَّ الْبَيْعَ يَجِبُ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ، إمَّا بِصَفْقَةٍ، وَإِمَّا بِخِيَارٍ؟ قَالَ: بَلَى قُلْتُ أَفَيَجِبُ الْبَيْعُ بِالْخِيَارِ وَالْبَيْعُ بِغَيْرِ خِيَارٍ؟ قَالَ نَعَمْ: قُلْتُ وَيَجِبُ بِالْخِيَارِ، قَالَ تُرِيدُ مَاذَا؟ قُلْتُ مَا يَلْزَمُك قَالَ وَمَا يَلْزَمُنِي؟ قُلْتُ تَزْعُمُ أَنَّهُ يَجِبُ الْخِيَارُ بِلاَ صَفْقَةٍ؛ لِأَنَّهُ إذَا زَعَمَ أَنَّهُ يَجِبُ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ عَلِمْنَا أَنَّهُمَا مُخْتَلِفَانِ كَمَا تَقُولُ فِي الْمَوْلَى يَفِيءُ أَوْ يُطَلِّقُ وَفِي الْعَبْدِ يَجْنِي يُسَلَّمُ أَوْ يُفْدَى وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا غَيْرُ الْآخَرِ قَالَ: مَا يَصْنَعُ الْخِيَارُ شَيْئًا إلَّا بِصَفْقَةٍ تَقْدُمُهُ أَوْ تَكُونُ مَعَهُ وَالصَّفْقَةُ مُسْتَغْنِيَةٌ عَنْ الْخِيَارِ فَهِيَ إنْ وَقَعَتْ مَعَهَا خِيَارٌ أَوْ بَعْدَهَا أَوْ لَيْسَ مَعَهَا وَلاَ بَعْدَهَا وَجَبَتْ قَالَ نَعَمْ قُلْتُ وَقَدْ زَعَمْتُ أَنَّ قَوْلَهُ أَوْ خِيَارٌ لاَ مَعْنَى لَهُ قَالَ فَدَعْ هَذَا قُلْتُ نَعَمْ بَعْدَ الْعِلْمِ بِعِلْمِك إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى بِأَنَّك زَعَمْتُ أَنَّ مَا ذَهَبْتُ إلَيْهِ مُحَالٌ قَالَ: فَمَا مَعْنَاهُ عِنْدَك؟ قُلْتُ لَوْ كَانَ قَوْلُهُ هَذَا مُوَفَّقًا لَمَا رَوَى أَبُو يُوسُفَ. عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْهُ وَكَانَ مِثْلَ مَعْنَى قَوْلِهِ فَكَانَ مِثْلَ الْبَيْعِ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ فَكَانَ الْبَيْعُ عَنْ صَفْقَةٍ بَعْدَهَا تَفَرُّقٌ أَوْ خِيَارٌ قَالَ بَعْضُ مَنْ حَضَرَ مَا لَهُ مَعْنَى يَصِحُّ غَيْرُهَا قَالَ أَمَّا إنَّهُ لاَ يَصِحُّ حَدِيثُهُ قُلْتُ أَجَلْ فَلِمَ اسْتَعَنْتَ بِهِ؟ قَالَ: فَعَارَضَنَا غَيْرُ هَذَا بِأَنْ قَالَ فَأَقُولُ إنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ رَوَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ فَالْقَوْلُ مَا قَالَ الْبَائِعُ وَالْمُبْتَاعُ بِالْخِيَارِ». قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَهَذَا الْحَدِيثُ مُنْقَطِعٌ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَالْأَحَادِيثُ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا ثَابِتَةٌ مُتَّصِلَةٌ فَلَوْ كَانَ هَذَا يُخَالِفُهَا لَمْ يَجُزْ لِلْعَالِمِ بِالْحَدِيثِ أَنْ يَحْتَجَّ بِهِ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ لاَ يَثْبُتُ هُوَ بِنَفْسِهِ فَكَيْفَ يُزَالُ بِهِ مَا يَثْبُتُ بِنَفْسِهِ وَيَشُدُّهُ أَحَادِيثُ مَعَهُ كُلُّهَا ثَابِتَةٌ؟ قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: وَلَوْ كَانَ هَذَا الْحَدِيثُ ثَابِتًا لَمْ يَكُنْ يُخَالِفُ مِنْهَا شَيْئًا مِنْ قِبَلِ أَنَّ هَذَيْنِ مُتَبَايِعَانِ إنْ تَصَادَقَا عَلَى التَّبَايُعِ وَاخْتَلَفَا فِي الثَّمَنِ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَخْتَارُ أَنْ يُنْفِذَ الْبَيْعَ إلَّا أَنْ تَكُونَ دَعْوَاهُمَا مِمَّا يُعْقَدُ بِهِ الْبَيْعُ مُخْتَلِفَةً تَنْقُضُ أَصْلَهُ وَلَمْ يَجْعَلْ الْخِيَارَ إلَّا لِلْمُبْتَاعِ فِي أَنْ يَأْخُذَ أَوْ يَدَعَ وَحَدِيثُ الْبَيْعِ بِالْخِيَارِ جَعَلَ الْخِيَارَ لَهُمَا مَعًا مِنْ غَيْرِ اخْتِلاَفٍ فِي ثَمَنٍ وَلاَ ادِّعَاءٍ مِنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِشَيْءٍ يُفْسِدُ أَصْلَ الْبَيْعِ وَلاَ يَنْقُضُهُ إنَّمَا أَرَادَ تَحْدِيدَ نَقْضِ الْبَيْعِ بِشَيْءٍ جُعِلَ لَهُمَا مَعًا وَإِلَيْهِمَا إنْ شَاءَا فَعَلاَهُ، وَإِنْ شَاءَا تَرَكَاهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ غَلِطَ رَجُلٌ إلَى أَنَّ الْحَدِيثَ عَلَى الْمُتَبَايِعَيْنِ اللَّذَيْنِ لَمْ يَتَفَرَّقَا مِنْ مَقَامِهِمَا لَمْ يُجِزْ لَهُ الْخِيَارُ لَهُمَا بَعْدَ تَفَرُّقِهِمَا مِنْ مَقَامِهِمَا، فَإِنْ قَالَ فَمَا يُغْنِي فِي الْبَيْعِ اللَّازِمِ بِالصَّفْقَةِ أَوْ التَّفَرُّقِ بَعْدَ الصَّفْقَةِ؟ قِيلَ لَوْ وَجَبَ بِالصَّفْقَةِ اُسْتُغْنِيَ عَنْ التَّفَرُّقِ وَلَكِنَّهُ لاَ يَلْزَمُ إلَّا بَهُمَا وَمَعْنَى خِيَارِهِ بَعْدَ الصَّفْقَةِ كَمَعْنَى الصَّفْقَةِ وَالتَّفَرُّقِ وَبَعْدَ التَّفَرُّقِ فَيَخْتَلِفَانِ فِي الثَّمَنِ فَيَكُونُ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ كَمَا يَكُونُ لَهُ الْخِيَارُ بَعْدَ الْقَبْضِ وَقَبْلَ التَّفَرُّقِ وَبَعْدَ زَمَانٍ إذَا ظَهَرَ عَلَى عَيْبٍ، وَلَوْ جَازَ أَنْ نَقُولَ إنَّمَا يَكُونُ لَهُ الْخِيَارُ إذَا اخْتَلَفَا فِي الثَّمَنِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ لَهُ الْخِيَارُ إذَا ظَهَرَ عَلَى عَيْبٍ وَجَازَ أَنْ يُطْرَحَ كُلُّ حَدِيثٍ أَشْبَهَ حَدِيثًا فِي حَرْفٍ وَاحِدٍ لِحُرُوفٍ أُخُرَ مِثْلِهِ، وَإِنْ وُجِدَ لَهُمَا مَحْمَلٌ يُخَرَّجَانِ فِيهِ فَجَازَ عَلَيْهِ لِبَعْضِ الْمَشْرِقِيِّينَ مَا هُوَ أَوْلَى أَنْ يَحُوزَ مِنْ هَذَا فَإِنَّهُمْ قَالُوا: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ التَّمْرِ بِالتَّمْرِ إلَّا مِثْلاً بِمِثْلٍ وَعَنْ الْمُزَابَنَةِ وَهِيَ الْجُزَافُ بِالْكَيْلِ مِنْ جِنْسِهَا وَعَنْ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ فَحَرَّمْنَا الْعَرَايَا بِخَرْصِهَا مِنْ التَّمْرِ؛ لِأَنَّهَا دَاخِلَةٌ فِي هَذَا الْمَعْنَى وَزَعَمْنَا نَحْنُ وَمَنْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّ الْعَرَايَا حَلاَلٌ بِإِحْلاَلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوَجَدْنَا لِلْحَدِيثَيْنِ مَعْنًى يُخَرَّجَانِ عَلَيْهِ وَلَجَازَ هَذَا عَلَيْنَا فِي أَكْثَرِ مَا يُقْدَرُ عَلَيْهِ مِنْ الْأَحَادِيثِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَخَالَفَنَا بَعْضُ مَنْ وَافَقَنَا فِي الْأَصْلِ أَنَّ الْبَيْعَ يَجِبُ بِالتَّفَرُّقِ وَالْخِيَارِ فَقَالَ الْخِيَارُ إذَا وَقَعَ مَعَ الْبَيْعِ جَازَ فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُخَيَّرَ بَعْدَ الْبَيْعِ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا وَصَفْتُ مِنْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيَّرَ بَعْدَ الْبَيْعِ، وَمِنْ الْقِيَاسِ إذَا كَانَتْ بَيْعًا فَلاَ يَتِمُّ الْبَيْعُ إلَّا بِتَفَرُّقِ الْمُتَبَايِعَيْنِ وَتَفَرُّقُهُمَا شَيْءٌ غَيْرُ عَقْدِ الْبَيْعِ يُشْبِهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنْ لاَ يَكُونَ يَجِبُ بِالْخِيَارِ إلَّا بَعْدَ الْبَيْعِ كَمَا كَانَ التَّفَرُّقُ بَعْدَ الْبَيْعِ وَكَذَلِكَ الْخِيَارُ بَعْدَهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَحَدِيثُ مَالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ النَّصْرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّفَرُّقَ بَيْنَ الْمُتَبَايِعَيْنِ تَفَرُّقُ الْأَبَدَانِ وَيَدُلُّ عَلَى غَيْرِهِ وَهُوَ مَوْضُوعٌ فِي مَوْضِعِهِ قَالَ وَحَدِيثُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لاَ يَبِعْ أَحَدُكُمْ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ» يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ فِي مَعْنَى حَدِيثِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الْمُتَبَايِعَانِ بِالْخِيَارِ» لِأَنِّي لَوْ كُنْتُ إذَا بِعْتُ رَجُلاً سِلْعَةً تَسْوَى مِائَةَ أَلْفٍ لَزِمَ الْمُشْتَرِيَ الْبَيْعُ حَتَّى لاَ يَسْتَطِيعَ أَنْ يَنْقُضَهُ مَا ضَرَّنِي أَنْ يَبِيعَهُ رَجُلٌ سِلْعَةً خَيْرًا مِنْهَا بِعَشْرَةٍ، وَلَكِنْ فِي نَهْيِهِ أَنْ يَبِيعَ الرَّجُلُ عَلَى بَيْعِ. أَخِيهِ دَلاَلَةٌ عَلَى أَنْ يَبِيعَ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقَا؛ لِأَنَّهُمَا لاَ يَكُونَانِ مُتَبَايِعَيْنِ إلَّا بَعْدَ الْبَيْعِ وَلاَ يَضُرُّ بَيْعُ الرَّجُلِ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ إلَّا قَبْلَ التَّفَرُّقِ حَتَّى يَكُونَ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ فِي رَدِّ الْبَيْعِ وَأَخْذِهِ فِيهَا لِئَلَّا يُفْسِدَ عَلَى الْبَائِعِ وَلَعَلَّهُ يُفْسِدُ عَلَى الْبَائِعِ ثُمَّ يَخْتَارُ أَنْ يَفْسَخَ الْبَيْعَ عَلَيْهِمَا مَعًا وَلَوْ لَمْ يَكُنْ هَذَا لَمْ يَكُنْ لِلْحَدِيثِ مَعْنًى أَبَدًا؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ إذَا وَجَبَ عَلَى الْمُشْتَرِي قَبْلَ التَّفَرُّقِ أَوْ بَعْدَهُ فَلاَ يَضُرُّ الْبَائِعَ مَنْ بَاعَ عَلَى بَيْعِهِ، وَلَوْ جَازَ أَنْ يُجْعَلَ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى غَيْرِ هَذَا جَازَ أَنْ لاَ يَصِيرَ النَّاسُ إلَى حَدِيثٍ إلَّا أَحَالَهُمْ غَيْرُهُمْ إلَى حَدِيثٍ غَيْرِهِ.
أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ وَمَهْرِ الْبَغِيِّ وَحُلْوَانِ الْكَاهِنِ. قال: قَالَ مَالِكٌ فَلِذَلِكَ أَكْرَهُ بَيْعَ الْكِلاَبِ الضَّوَارِي وَغَيْرِ الضَّوَارِي أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ اقْتَنَى كَلْبًا إلَّا كَلْبَ مَاشِيَةٍ أَوْ ضَارِيًا نَقَصَ مِنْ عَمَلِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطَانِ». أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ يَزِيدَ بْنِ خُصَيْفَةَ أَنَّ السَّائِبَ بْنَ يَزِيدَ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ سُفْيَانَ بْنَ أَبِي زُهَيْرٍ وَهُوَ رَجُلٌ مِنْ شَنُوءَةَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ اقْتَنَى كَلْبًا نَقَصَ مَنْ عَمَلِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطًا». قَالُوا: أَنْتَ سَمِعْت هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: إي وَرَبِّ هَذَا الْمَسْجِدِ. أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِقَتْلِ الْكِلاَبِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَبِهَذَا نَقُولُ لاَ يَحِلُّ لِلْكَلْبِ ثَمَنٌ بِحَالٍ، وَإِذَا لَمْ يَحِلَّ ثَمَنُهُ لَمْ يَحِلَّ أَنْ يَتَّخِذَهُ إلَّا صَاحِبُ صَيْدٍ أَوْ حَرْثٍ أَوْ مَاشِيَةٍ وَإِلَّا لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَنْ يَتَّخِذَهُ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ إنْ قَتَلَهُ أَخْذُ ثَمَنٍ إنَّمَا يَكُونُ الثَّمَنُ فِيمَا قُتِلَ مِمَّا يُمْلَكُ إذَا كَانَ يَحِلُّ أَنْ يَكُونَ لَهُ فِي الْحَيَاةِ ثَمَنٌ يُشْتَرَى بِهِ وَيُبَاعُ. قال: وَلاَ يَحِلُّ اقْتِنَاؤُهُ إلَّا لِصَاحِبِ صَيْدٍ أَوْ زَرْعٍ أَوْ. مَاشِيَةٍ أَوْ مَا كَانَ فِي مَعْنَاهُ لِمَا جَاءَ فِيهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمْرُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَتْلِ الْكِلاَبِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا لَوْ صَلُحَتْ أَنْ يَكُونَ لَهَا أَثْمَانٌ بِحَالٍ لَمَا جَازَ قَتْلُهَا وَلَكَانَ لِمَالِكِهَا بَيْعُهَا فَيَأْخُذُ أَثْمَانَهَا لِتَصِيرَ إلَى مَنْ يَحِلُّ لَهُ قنيتهما. قال: وَلاَ يَحِلُّ السَّلَمُ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ وَمَا أُخِذَ فِي شَيْءٍ يُمْلَكُ فِيهِ بِحَالٍ مُعَجَّلاً أَوْ مُؤَخَّرًا أَوْ بِقِيمَتِهِ فِي حَيَاةٍ أَوْ مَوْتٍ فَهُوَ ثَمَنٌ مِنْ الْأَثْمَانِ وَلاَ يَحِلُّ لِلْكَلْبِ ثَمَنٌ لِمَا وَصَفْنَا مِنْ نَهْيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ثَمَنِهِ وَلَوْ حَلَّ ثَمَنُهُ حَلَّ حُلْوَانُ الْكَاهِنِ وَمَهْرُ الْبَغِيِّ. قال: وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ اقْتَنَى كَلْبًا إلَّا كَلْبَ صَيْدٍ أَوْ زَرْعٍ أَوْ مَاشِيَةٍ نَقَصَ كُلَّ يَوْمٍ مِنْ عَمَلِهِ قِيرَاطَانِ». وَقَالَ: «لاَ تَدْخُلُ الْمَلاَئِكَةُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلاَ صُورَةٌ». قال: وَقَدْ نَصَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْخِنْزِيرَ فَسَمَّاهُ رِجْسًا وَحَرَّمَهُ فَلاَ يَحِلُّ أَنْ يَخْرُجَ لَهُ ثَمَنٌ مُعَجَّلٌ وَلاَ مُؤَخَّرٌ وَلاَ قِيمَةٌ بِحَالٍ وَلَوْ قَتَلَهُ إنْسَانٌ لَمْ يَكُنْ فِيهِ قِيمَةٌ وَمَا لاَ يَحِلُّ ثَمَنُهُ مِمَّا يُمْلَكُ لاَ تَحِلُّ قِيمَتُهُ؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ ثَمَنٌ مِنْ الْأَثْمَانِ. قال: وَمَا كَانَ فِيهِ مَنْفَعَةٌ فِي حَيَاتِهِ بِيعَ مِنْ النَّاسِ غَيْرَ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ، وَإِنْ لَمْ يَحِلَّ أَكْلُهُ فَلاَ بَأْسَ بِابْتِيَاعِهِ وَمَا كَانَ لاَ بَأْسَ بِابْتِيَاعِهِ لَمْ يَكُنْ بِالسَّلَفِ فِيهِ بَأْسٌ إذَا كَانَ لاَ يَنْقَطِعُ مِنْ أَيْدِي النَّاسِ، وَمَنْ مَلَكَهُ فَقَتَلَهُ غَيْرُهُ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ فِي الْوَقْتِ الَّذِي قَتَلَهُ فِيهِ، وَمَا كَانَ مِنْهُ مُعَلَّمًا فَقَتَلَهُ مُعَلَّمًا فَقِيمَتُهُ مُعَلَّمًا كَمَا تَكُونُ قِيمَةُ الْعَبْدِ مُعَلَّمًا وَذَلِكَ مِثْلُ الْفَهْدِ يُعَلَّمُ الصَّيْدَ وَالْبَازِي وَالشَّاهَيْنِ وَالصَّقْرِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْجَوَارِحِ الْمُعَلَّمَةِ وَمِثْلُ الْهِرِّ وَالْحِمَارِ الْإِنْسِيِّ وَالْبَغْلِ وَغَيْرِهَا مِمَّا فِيهِ مَنْفَعَةٌ حَيًّا، وَإِنْ لَمْ يُؤْكَلْ لَحْمُهُ. قال: فَأَمَّا الضَّبُعُ وَالثَّعْلَبُ فَيُؤْكَلاَنِ وَيُبَاعَانِ وَهُمَا مُخَالِفَانِ لِمَا وَصَفْتُ يَجُوزُ فِيهِمَا السَّلَفُ إنْ كَانَ انْقِطَاعُهُمَا فِي الْحِينِ الَّذِي يُسْلَفُ فِيهِمَا مَأْمُونًا الْأَمَانَ الظَّاهِرَ عِنْدَ النَّاسِ، وَمَنْ قَتَلَهُمَا وَهُمَا لِأَحَدٍ غَرِمَ ثَمَنَهُمَا كَمَا يَغْرَمُ ثَمَنَ الظَّبْيِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْوَحْشِ الْمَمْلُوكِ غَيْرُهُمَا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَكُلُّ مَا لاَ مَنْفَعَةَ فِيهِ مِنْ وَحْشٍ مِثْلُ الْحِدَأَةِ وَالرَّخَمَةِ وَالْبُغَاثَةِ وَمَا لاَ يَصِيدُ مِنْ الطَّيْرِ الَّذِي لاَ يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَمِثْلُ اللُّحَكَةِ وَالْقَطَا وَالْخَنَافِسِ وَمَا أَشْبَهَ هَذَا فَأَرَى وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أَنْ لاَ يَجُوزَ شِرَاؤُهُ وَلاَ بَيْعُهُ بِدَيْنٍ وَلاَ غَيْرِهِ، وَلاَ يَكُونُ عَلَى أَحَدٍ لَوْ حَبَسَهُ رَجُلٌ عِنْدَهُ فَقَتَلَهُ رَجُلٌ لَهُ قِيمَةٌ وَكَذَلِكَ الْفَأْرُ وَالْجِرْذَانُ وَالْوِزْغَانُ؛ لِأَنَّهُ لاَ مَعْنَى لِلْمَنْفَعَةِ فِيهِ حَيًّا وَلاَ مَذْبُوحًا وَلاَ مَيِّتًا فَإِذَا اشْتَرَى هَذَا أَشْبَهَ أَنْ يَكُونَ أَكْلَ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ وَقَدْ نَهَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْ أَكْلِ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أُجِيزَ لِلْمُسْلِمِينَ بَيْعُ مَا انْتَفَعُوا بِهِ مَأْكُولاً أَوْ مُسْتَمْتَعًا بِهِ فِي حَيَاتِهِ لِمَنْفَعَةٍ تَقَعُ مَوْقِعًا وَلاَ مَنْفَعَةَ فِي هَذَا تَقَعُ مَوْقِعًا، وَإِذَا نُهِيَ عَنْ بَيْعِ ضِرَابِ الْفَحْلِ وَهُوَ مَنْفَعَةٌ إذَا تَمَّ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِعَيْنٍ تُمْلَكُ لِمَنْفَعَةٍ، كَانَ مَا لاَ مَنْفَعَةَ فِيهِ بِحَالٍ أَوْلَى أَنْ يُنْهَى عَنْ ثَمَنِهِ عِنْدِي وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَخَالَفَنَا بَعْضُ النَّاسِ فَأَجَازَ ثَمَنَ الْكَلْبِ وَشِرَاءَهُ وَجَعَلَ عَلَى مَنْ قَتَلَهُ ثَمَنَهُ قُلْتُ لَهُ أَفَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَرِّمُ ثَمَنَ الْكَلْبِ وَتَجْعَلُ لَهُ ثَمَنًا حَيًّا أَوْ مَيِّتًا؟ أَوْ يَجُوزُ أَنْ يَأْمُرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَتْلِ الْكِلاَبِ وَلَهَا أَثْمَانٌ يَغْرَمُهَا قَاتِلُهَا أَيَأْمُرُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَتْلِ مَا يَغْرَمُهُ قَاتِلُهُ وَكُلُّ مَا غَرِمَهُ قَاتِلُهُ أَثِمَ مِنْ قَتْلِهِ؛ لِأَنَّهُ اسْتِهْلاَكُ مَا يَكُونُ مَالاً لِمُسْلِمٍ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاَ يَأْمُرُ بِمَأْثَمٍ. وَقَالَ قَائِلٌ: فَإِنَّا إنَّمَا أَخَذْنَا أَنَّ الْكَلْبَ يَجُوزُ ثَمَنُهُ خَبَرًا وَقِيَاسًا قُلْت لَهُ فَاذْكُرْ الْخَبَرَ قَالَ أَخْبَرَنِي بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ أَبِي أَنَسٍ أَنَّ عُثْمَانَ أَغْرَمَ رَجُلاً ثَمَنَ كَلْبٍ قَتَلَهُ عِشْرِينَ بَعِيرًا، قَالَ، وَإِذَا جُعِلَ فِيهِ مَقْتُولاً قِيمَةً، كَانَ حِيَالَهُ ثَمَنٌ لاَ يَخْتَلِفُ ذَلِكَ. قال: فَقُلْتُ لَهُ أَرَأَيْتَ لَوْ ثَبَتَ هَذَا عَنْ عُثْمَانَ كُنْتَ لَمْ تَصْنَعْ شَيْئًا فِي احْتِجَاجِكَ عَلَى شَيْءٍ ثَبَتَ عَنْ. رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالثَّابِتُ عَنْ عُثْمَانَ خِلاَفُهُ قَالَ فَاذْكُرْهُ قُلْت أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ عَنْ يُونُسَ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ سَمِعْت عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ يَخْطُبُ وَهُوَ يَأْمُرُ بِقَتْلِ الْكِلاَبِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَكَيْفَ يَأْمُرُ بِقَتْلِ مَا يَغْرَمُ مَنْ قَتَلَهُ قِيمَتَهُ؟ قَالَ فَأَخَذْنَاهُ قِيَاسًا عَلَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَنْهَ صَاحِبَ الزَّرْعِ وَلاَ الْمَاشِيَةِ عَنْ اتِّخَاذِهِ وَذَكَرَ لَهُ صَيْدَ الْكِلاَبِ فَقَالَ فِيهِ وَلَمْ يَنْهَ عَنْهُ فَلَمَّا رَخَّصَ فِي أَنْ يَكُونَ الْكَلْبُ مَمْلُوكًا كَالْحِمَارِ حَلَّ ثَمَنُهُ وَلَمَّا حَلَّ ثَمَنُهُ كَانَتْ قِيمَتُهُ عَلَى مَنْ قَتَلَهُ. قال: فَقُلْتُ لَهُ فَإِذَا أَبَاحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اتِّخَاذَهُ لِصَاحِبِ الزَّرْعِ وَالْمَاشِيَةِ وَلَمْ يَنْهَ عَنْ صَاحِبِ الصَّيْدِ وَحَرَّمَ ثَمَنَهُ فَأَيُّهُمَا أَوْلَى بِنَا وَبِك وَبِكُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَتَّبِعَهُ فِي الْقَوْلَيْنِ فَتُحَرِّمُ مَا حَرُمَ ثَمَنُهُ وَتَقْتُلُ الْكِلاَبَ عَلَى مَنْ لَمْ يُبَحْ لَهُ اتِّخَاذُهَا كَمَا أَمَرَ بِقَتْلِهَا وَتُبِيحُ اتِّخَاذَهَا لِمَنْ أَبَاحَهُ لَهُ وَلَمْ يَنْهَهُ عَنْهُ أَوْ تَزْعُمُ أَنَّ الْأَحَادِيثَ فِيهَا تَضَادٌّ؟ قَالَ فَمَا تَقُولُ أَنْتَ؟ قُلْت أَقُولُ الْحَقَّ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى إثْبَاتُ الْأَحَادِيثِ عَلَى مَا جَاءَتْ كَمَا جَاءَتْ إذَا احْتَلَمَتْ أَنْ تَثْبُتَ كُلُّهَا وَلَوْ جَازَ مَا قُلْت مِنْ طَرْحِ بَعْضِهَا لِبَعْضٍ جَازَ عَلَيْك مَا أَجَزْت لِنَفْسِك قَالَ فَيَقُولُ قَائِلٌ لاَ نَعْرِفُ الْأَحَادِيثَ قُلْت إذَا كَانَ يَأْثَمُ بِهَا مَنْ اتَّخَذَهَا لاَ أُحِلُّ لِأَحَدٍ اتِّخَاذَهَا وَأَقْتُلُهَا حَيْثُ وَجَدْتُهَا ثُمَّ لاَ يَكُونُ أَوْلَى بِالصَّوَابِ مِنْهُ قَالَ أَفَيَجُوزُ عِنْدَك أَنْ يَتَّخِذَهَا مُتَّخِذٌ وَلاَ ثَمَنَ لَهَا؟ قُلْتُ بَلْ لاَ يَجُوزُ فِيهَا غَيْرُهُ لَوْ كَانَ أَصْلُ اتِّخَاذِهَا حَلاَلاً حَلَّتْ لِكُلِّ أَحَدٍ كَمَا يَحِلُّ لِكُلِّ أَحَدٍ اتِّخَاذُ الْحُمُرِ وَالْبِغَالِ، وَلَكِنَّ أَصْلَ اتِّخَاذِهَا مُحَرَّمٌ إلَّا بِمَوْضِعٍ كَالضَّرُورَةِ لِإِصْلاَحِ الْمَعَاشِ لِأَنِّي لَمْ أَجِدْ الْحَلاَلَ يُحْظَرُ عَلَى أَحَدٍ وَأَجِدُ مِنْ الْمُحَرَّمِ مَا يُبَاحُ لِبَعْضٍ دُونَ بَعْضٍ. قال: وَمِثْلُ مَاذَا؟ قُلْت الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ مُبَاحَانِ لِذِي الضَّرُورَةِ فَإِذَا فَارَقَ الضَّرُورَةَ عَادَ أَنْ يَكُونَا مُحَرَّمَيْنِ عَلَيْهِ بِأَصْلِ تَحْرِيمِهِمَا وَالطَّهَارَةُ بِالتُّرَابِ مُبَاحَةٌ فِي السَّفَرِ لِمَنْ لَمْ يَجِدْ مَاءً فَإِذَا وَجَدَهُ حُرِّمَ عَلَيْهِ الطَّهَارَةُ بِالتُّرَابِ؛ لِأَنَّ أَصْلَ الطَّهَارَةِ إنَّمَا هِيَ بِالْمَاءِ وَمُحَرَّمَةٌ بِمَا خَالَفَهُ إلَّا فِي الضَّرُورَةِ بِالْإِعْوَازِ وَالسَّفَرِ أَوْ الْمَرَضِ وَلِذَلِكَ إذَا فَارَقَ رَجُلٌ اقْتِنَاءَ الْكَلْبِ لِلصَّيْدِ أَوْ الزَّرْعِ أَوْ الْمَاشِيَةِ حَرُمَ عَلَيْهِ اتِّخَاذُهَا قَالَ فَلِمَ لاَ يَحِلُّ ثَمَنُهَا فِي الْحِينِ الَّذِي يَحِلُّ اتِّخَاذُهَا؟ قُلْتُ لِمَا وَصَفْتُ لَك مِنْ أَنَّهَا مَرْجُوعَةٌ عَلَى الْأَصْلِ فَلاَ ثَمَنَ لِمُحَرَّمٍ فِي الْأَصْلِ، وَإِنْ تَنْقَلِبْ حَالاَتُهُ بِضَرُورَةٍ أَوْ مَنْفَعَةٍ فَإِنَّ إحْلاَلَهُ خَاصٌّ لِمَنْ أُبِيحَ لَهُ قَالَ فَأَوْجِدْنِي مِثْلَ مَا وَصَفْتُ قُلْتُ أَرَأَيْتَ دَابَّةَ الرَّجُلِ مَاتَتْ فَاضْطُرَّ إلَيْهَا بَشَرٌ أَيَحِلُّ لَهُمْ أَكْلُهَا؟ قَالَ نَعَمْ قُلْتُ أَفَيَحِلُّ لَهُ بَيْعُهَا مِنْهُمْ أَوْ لِبَعْضِهِمْ إنْ سَبَقَ بَعْضُهُمْ إلَيْهَا؟ قَالَ إنْ قُلْتُ لَيْسَ ذَلِكَ لَهُ قُلْتُ فَقَدْ حَرَّمْتَ عَلَى مَالِكِ الدَّابَّةِ بَيْعَهَا، وَإِنْ قُلْتَ نَعَمْ قُلْتُ فَقَدْ أَحْلَلْتَ بَيْعَ الْمُحَرَّمِ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ: فَأَقُولُ لاَ يَحِلُّ بَيْعُهَا قُلْتُ وَلَوْ أَحْرَقَهَا رَجُلٌ فِي الْحِينِ الَّذِي أُبِيحَ لِهَؤُلاَءِ أَكْلُهَا فِيهِ لَمْ يَغْرَمْ ثَمَنَهَا قَالَ لاَ، قُلْتُ فَلَوْ لَمْ يَدُلَّك عَلَى النَّهْيِ عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ إلَّا مَا وَصَفْتُ لَك انْبَغَى أَنْ يَدُلَّك قَالَ أَفَتُوجِدَنِّي غَيْرَ هَذَا أَقُولُهُ؟ قُلْتُ نَعَمْ زَعَمْتُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَك خَمْرٌ حُرِّمَ عَلَيْك اتِّخَاذُهَا وَحَلَّ لَك أَنْ تُفْسِدَهَا بِمِلْحٍ وَمَاءٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُصَيِّرُهَا خَلًّا وَزَعَمْتَ أَنَّ رَجُلاً لَوْ أَهْرَاقَهَا وَقَدْ أَفْسَدَهَا قَبْلَ أَنْ تَصِيرَ خَلًّا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فِي ثَمَنِهَا شَيْءٌ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَحِلَّ بَعْدُ عَنْ الْمَحْرَمِ فَتَصِيرُ عَيْنًا غَيْرَهُ وَزَعَمْتَ أَنَّ مَاشِيَتَك لَوْ مُوِّتَتْ حَلَّ لَك سَلْخُهَا وَحَبْسُ جِلْدِهَا، وَإِذَا دَبَغْتهَا حَلَّ ثَمَنُهَا وَلَوْ حَرَقَهَا رَجُلٌ قَبْلَ أَنْ تَدْبُغَهَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فِيهَا قِيمَةٌ؟ قَالَ إنِّي لاَ أَقُولُ هَذَا وَلَكِنِّي أَقُولُ إذَا صَارَتْ خَلًّا وَصَارَتْ مَدْبُوغَةً كَانَ لَهَا ثَمَنٌ وَعَلَى مَنْ حَرَقَهَا قِيمَتُهُ قُلْتُ؛ لِأَنَّهَا تَصِيرُ عِنْدَك عَيْنًا حَلاَلاً لِكُلِّ أَحَدٍ؟ قَالَ نَعَمْ قُلْتُ أَفَتَصِيرُ الْكِلاَبُ حَلاَلاً لِكُلِّ أَحَدٍ؟ قَالَ لاَ، إلَّا بِالضَّرُورَةِ أَوْ طَلَبِ الْمَنْفَعَةِ، وَالْكِلاَبُ بِالْمَيْتَةِ أَشْبَهُ وَالْمَيْتَةُ لَنَا فِيهَا أَلْزَمُ قُلْتُ وَهَذَا يَلْزَمُك فِي الْحِينِ الَّذِي يَحِلُّ لَك فِيهِ حَبْسُ الْخَمْرِ وَالْجُلُودِ، فَأَنْتَ لاَ تَجْعَلُ. فِي ذَلِكَ الْحِينِ لَهَا ثَمَنًا قَالَ أَجَلْ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: ثُمَّ حَكَى أَنَّ قَائِلاً قَالَ لاَ ثَمَنَ لِكَلْبِ الصَّيْدِ وَلاَ الزَّرْعِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ جُمْلَةً ثُمَّ قَالَ، وَإِنْ قَتَلَ إنْسَانٌ لِآخَرَ كَلْبًا غَرِمَ ثَمَنَهُ؛ لِأَنَّهُ أَفْسَدَ عَلَيْهِ مَالَهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَمَا لَمْ يَكُنْ لَهُ ثَمَنٌ حَيًّا بِأَنَّ أَصْلَ ثَمَنِهِ مُحَرَّمٌ كَانَ ثَمَنُهُ إذَا قُتِلَ أَوْلَى أَنْ يَبْطُلَ أَوْ مِثْلُ ثَمَنِهِ حَيًّا، وَكُلُّ مَا وَصَفْتُ حُجَّةً عَلَى مَنْ حَكَيْتُ قَوْلَهُ وَحُجَّةً عَلَى مَنْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ وَعَلَيْهِ زِيَادَةُ حُجَّةٍ مِنْ قَوْلِهِ مِنْ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَحِلَّ ثَمَنُهَا فِي الْحَالِ الَّتِي أَبَاحَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اتِّخَاذَهَا كَانَ إذَا قُتِلَتْ أَحْرَى أَنْ لاَ يَكُونَ بِهَا حَلاَلاً قَالَ فَقَالَ قَائِلٌ: فَإِذَا أَخْصَى رَجُلٌ كَلْبَ رَجُلٍ أَوْ جَدَعَهُ؟ قُلْت إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ ثَمَنٌ وَلَمْ يَكُنْ عَلَى مَنْ قَتَلَهُ قِيمَةٌ كَانَ فِيمَا أُصِيبَ مِمَّا دُونَ الْقَتْلِ أَوْلَى وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فِيهِ غُرْمٌ وَيُنْهَى عَنْهُ وَيُؤَدَّبُ إذَا عَادَ.
أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ النَّصْرِيِّ أَنَّهُ الْتَمَسَ صَرْفًا بِمِائَةِ دِينَارٍ قَالَ فَدَعَانِي طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ فَتَرَاوَضْنَا حَتَّى اصْطَرَفَ مِنِّي وَأَخَذَ الذَّهَبَ يُقَلِّبُهَا فِي يَدِهِ، ثُمَّ قَالَ حَتَّى تَأْتِيَ خَازِنَتِي أَوْ خَازِنِي. قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَنَا شَكَكْت بَعْدَمَا قَرَأْتُهُ عَلَيْهِ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه يَسْمَعُ فَقَالَ عُمَرُ لاَ وَاَللَّهِ لاَ تُفَارِقُهُ حَتَّى تَأْخُذَ مِنْهُ ثُمَّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الذَّهَبُ بِالْوَرِقِ رِبًا إلَّا هَاءَ وَهَاءَ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ رِبًا إلَّا هَاءَ وَهَاءَ وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ رِبًا إلَّا هَاءَ وَهَاءَ وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ رِبًا، إلَّا هَاءَ وَهَاءَ». أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الذَّهَبُ بِالْوَرِقِ رِبًا إلَّا هَاءَ وَهَاءَ وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ رِبًا إلَّا هَاءَ وَهَاءَ وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ رِبًا إلَّا هَاءَ وَهَاءَ وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ رِبًا إلَّا هَاءَ وَهَاءَ». أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ يَسَارٍ وَرَجُلٍ آخَرَ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لاَ تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ وَلاَ الْوَرِقَ بِالْوَرِقِ وَلاَ الْبُرَّ بِالْبُرِّ وَلاَ الشَّعِيرَ بِالشَّعِيرِ وَلاَ الْمِلْحَ بِالْمِلْحِ إلَّا سَوَاءً بِسَوَاءٍ عَيْنًا بِعَيْنٍ يَدًا بِيَدٍ وَلَكِنْ بِيعُوا الذَّهَبَ بِالْوَرِقِ وَالْوَرِقَ بِالذَّهَبِ وَالْبُرَّ بِالشَّعِيرِ وَالشَّعِيرَ بِالْبُرِّ وَالتَّمْرَ بِالْمِلْحِ وَالْمِلْحَ بِالتَّمْرِ يَدًا بِيَدٍ كَيْفَ شِئْتُمْ» قَالَ: وَنَقَصَ أَحَدُهُمَا التَّمْرَ أَوْ الْمِلْحَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: وَبِهَذَا نَأْخُذُ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِلْأَحَادِيثِ فِي الصَّرْفِ وَبِهَذَا تَرَكْنَا قَوْلَ مَنْ رَوَى أَنْ لاَ رِبَا إلَّا فِي نَسِيئَةٍ وَقُلْنَا الرِّبَا مِنْ وَجْهَيْنِ فِي النَّسِيئَةِ وَالنَّقْدِ وَذَلِكَ أَنَّ الرِّبَا مِنْهُ يَكُونُ فِي النَّقْدِ بِالزِّيَادَةِ فِي الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ وَيَكُونُ فِي الدَّيْنِ بِزِيَادَةِ الْأَجَلِ، وَقَدْ يَكُونُ مَعَ الْأَجَلِ زِيَادَةً فِي النَّقْدِ. قال: وَبِهَذَا نَأْخُذُ وَاَلَّذِي حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْفَضْلَ فِي بَعْضِهِ عَلَى بَعْضِهِ يَدًا بِيَدٍ، الذَّهَبُ وَالْوَرِقُ وَالْحِنْطَةُ وَالشَّعِيرُ وَالتَّمْرُ وَالْمِلْحُ. قال: وَالذَّهَبُ وَالْوَرِقُ مُبَايِنَانِ لِكُلِّ شَيْءٍ؛ لِأَنَّهُمَا أَثْمَانُ كُلِّ شَيْءٍ وَلاَ يُقَاسُ عَلَيْهِمَا شَيْءٌ مِنْ الطَّعَامِ وَلاَ مِنْ غَيْرِهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: فَالتَّحْرِيمُ مَعَهُمَا مِنْ الطَّعَامِ مِنْ مَكِيلٍ كُلِّهِ مَأْكُولٍ. قال: فَوَجَدْنَا الْمَأْكُولَ إذَا كَانَ مَكِيلاً فَالْمَأْكُولُ إذَا كَانَ مَوْزُونًا فِي مَعْنَاهُ؛ لِأَنَّهُمَا مَأْكُولاَنِ مَعًا وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ مَشْرُوبًا مَكِيلاً أَوْ مَوْزُونًا؛ لِأَنَّ الْوَزْنَ أَنْ يُبَاعَ مَعْلُومًا عِنْدَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي كَمَا كَانَ الْكَيْلُ مَعْلُومًا عِنْدَهُمَا بَلْ الْوَزْنُ أَقْرَبُ مِنْ الْإِحَاطَةِ لِبُعْدِ تَفَاوُتِهِ مِنْ الْكَيْلِ فَلَمَّا اجْتَمَعَا فِي أَنْ يَكُونَا مَأْكُولَيْنِ وَمَشْرُوبَيْنِ وَبَيْعًا مَعْلُومًا بِمِكْيَالٍ أَوْ مِيزَانٍ كَانَ مَعْنَاهُمَا مَعْنًى وَاحِدًا فَحَكَمْنَا لَهُمَا حُكْمًا وَاحِدًا، وَذَلِكَ مِثْلُ حُكْمِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ؛ لِأَنَّ مَخْرَجَ التَّحْرِيمِ وَالتَّحْلِيلِ فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْبُرِّ وَالشَّعِيرِ وَالتَّمْرِ وَالنَّوَى فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لاَ إصْلاَحَ لَهُ إلَّا بِهِ وَالْمِلْحُ وَاحِدٌ لاَ يَخْتَلِفُ وَلاَ نُخَالِفُ فِي شَيْءٍ مِنْ أَحْكَامِ مَا نَصَّتْ السُّنَّةُ مِنْ الْمَأْكُولِ غَيْرَهُ وَكُلُّ مَا كَانَ قِيَاسًا عَلَيْهَا مِمَّا هُوَ فِي مَعْنَاهَا وَحُكْمُهُ حُكْمُهَا لَمْ نُخَالِفْ بَيْنَ أَحْكَامِهَا وَكُلُّ مَا كَانَ قِيَاسًا عَلَيْهَا مِمَّا هُوَ فِي مَعْنَاهَا حَكَمْنَا. لَهُ حُكْمَهَا مِنْ الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ وَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَكَذَلِكَ فِي مَعْنَاهَا عِنْدَنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، كُلُّ مَكِيلٍ وَمَشْرُوبٍ، بِيعَ عَدَدًا،؛ لِأَنَّا وَجَدْنَا كَثِيرًا مِنْهَا يُوزَنُ بِبَلْدَةٍ وَلاَ يُوزَنُ بِأُخْرَى وَوَجَدْنَا عَامَّةَ الرُّطَبِ بِمَكَّةَ إنَّمَا يُبَاعُ فِي سِلاَلٍ جُزَافًا، وَوَجَدْنَا عَامَّةَ اللَّحْمِ إنَّمَا يُبَاعُ جُزَافًا وَوَجَدْنَا أَهْلَ الْبَدْوِ إذَا تَبَايَعُوا لَحْمًا أَوْ لَبَنًا لَمْ يَتَبَايَعُوهُ إلَّا جُزَافًا وَكَذَلِكَ يَتَبَايَعُونَ السَّمْنَ وَالْعَسَلَ وَالزُّبْدَ وَغَيْرَهُ، وَقَدْ يُوزَنُ عِنْدَ غَيْرِهِمْ وَلاَ يَمْتَنِعُ مِنْ الْوَزْنِ وَالْكَيْلِ فِي بَيْعِ مَنْ بَاعَهُ جُزَافًا وَمَا بِيعَ جُزَافًا أَوْ عَدَدًا فَهُوَ فِي مَعْنَى الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ مِنْ الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ عِنْدَنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَكُلُّ مَا يَبْقَى مِنْهُ وَيُدَّخَرُ وَمَا لاَ يَبْقَى وَلاَ يُدَّخَرُ سَوَاءٌ لاَ يَخْتَلِفُ، فَلَوْ نَظَرْنَا فِي الَّذِي يَبْقَى مِنْهُ وَيُدَّخَرُ فَفَرَّقْنَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا لاَ يَبْقَى وَلاَ يُدَّخَرُ وَجَدْنَا التَّمْرَ كُلَّهُ يَابِسًا يَبْقَى غَايَةً وَوَجَدْنَا الطَّعَامَ كُلَّهُ لاَ يَبْقَى ذَلِكَ الْبَقَاءَ وَوَجَدْنَا اللَّحْمَ لاَ يَبْقَى ذَلِكَ الْبَقَاءَ وَوَجَدْنَا اللَّبَنَ لاَ يَبْقَى وَلاَ يُدَّخَرُ، فَإِنْ قَالَ قَدْ يُوقَطُ قِيلَ وَكَذَلِكَ عَامَّةُ الْفَاكِهَةِ الْمَوْزُونَةِ قَدْ تَيْبَسُ وَقِشْرُ الْأُتْرُجِّ بِمَا لَصِقَ فِيهِ يَيْبَسُ وَلَيْسَ فِيمَا يَبْقَى، وَلاَ يَبْقَى مَعْنًى يُفَرِّقُ بَيْنَهُ إذَا كَانَ مَأْكُولاً وَمَشْرُوبًا فَكُلُّهُ صِنْفٌ وَاحِدٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَمَا كَانَ غَيْرَ مَأْكُولٍ وَلاَ مَشْرُوبٍ لِتَفَكُّهٍ وَلاَ تَلَذُّذٍ مِثْلَ الْأَسْبِيُوشِ وَالثُّفَّاءِ وَالْبُزُورِ كُلِّهَا، فَهِيَ، وَإِنْ أُكِلَتْ غَيْرُ. مَعْنَى الْقُوتِ فَقَدْ تُعَدُّ مَأْكُولَةً وَمَشْرُوبَةً وَقِيَاسُهَا عَلَى الْمَأْكُولِ الْقُوتَ أَوْلَى مِنْ قِيَاسِهَا عَلَى مَا فَارَقَهُ مِمَّا يُسْتَمْتَعُ بِهِ لِغَيْرِ الْأَكْلِ ثُمَّ الْأَدْوِيَةُ كُلُّهَا إهْلِيلَجُهَا وإِيلِيلَجُهَا وسَقَمُونْيِهَا وَغَارِيقُونَهَا يَدْخُلُ فِي هَذَا الْمَعْنَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قال: وَوَجَدْنَا كُلَّ مَا يُسْتَمْتَعُ بِهِ لِيَكُونَ مَأْكُولاً أَوْ مَشْرُوبًا يَجْمَعُهُ أَنَّ الْمَتَاعَ بِهِ لِيُؤْكَلَ أَوْ يُشْرَبَ وَوَجَدْنَا يَجْمَعُهُ أَنَّ الْأَكْلَ وَالشُّرْبَ لِلْمَنْفَعَةِ وَوَجَدْنَا الْأَدْوِيَةَ تُؤْكَلُ وَتُشْرَبُ لِلْمَنْفَعَةِ بَلْ مَنَافِعُهَا كَثِيرَةٌ أَكْثَرُ مِنْ مَنَافِعِ الطَّعَامِ فَكَانَتْ أَنْ تُقَاسَ بِالْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ أَوْلَى مِنْ أَنْ يُقَاسَ بِهَا الْمَتَاعُ لِغَيْرِ الْأَكْلِ مِنْ الْحَيَوَانِ وَالنَّبَاتِ وَالْخَشَبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَجَعَلْنَا لِلْأَشْيَاءِ أَصْلَيْنِ أَصْلٌ مَأْكُولٌ فِيهِ الرِّبَا وَأَصْلٌ مَتَاعٌ لِغَيْرِ الْمَأْكُولِ لاَ رِبَا فِي الزِّيَادَةِ فِي بَعْضِهِ عَلَى بَعْضٍ فَالْأَصْلُ فِي الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ إذَا كَانَ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ كَالْأَصْلِ فِي الدَّنَانِيرِ بِالدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ بِالدَّرَاهِمِ، وَإِذَا كَانَ مِنْهُ صِنْفٌ بِصِنْفٍ غَيْرِهِ فَهُوَ كَالدَّنَانِيرِ بِالدَّرَاهِمِ وَالدَّرَاهِمُ بِالدَّنَانِيرِ لاَ يَخْتَلِفُ إلَّا بِعِلَّةٍ وَتِلْكَ الْعِلَّةُ لاَ تَكُونُ فِي الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ بِحَالٍ وَذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الشَّيْءُ مِنْهُ رَطْبٌ بِيَابِسٍ مِنْهُ وَهَذَا لاَ يَدْخُلُ الذَّهَبُ وَلاَ الْوَرِقُ أَبَدًا. قال: فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ كَيْفَ فَرَّقْتُمْ بَيْنَ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ وَبَيْنَ الْمَأْكُولِ فِي هَذِهِ الْحَالِ؟ قُلْت الْحُجَّةُ فِيهِ مَا لاَ حُجَّةَ مَعَهُ مِنْ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَّهُ لاَ يَجُوزُ أَنْ تَقِيسَ شَيْئًا بِشَيْءٍ مُخَالِفٍ لَهُ فَإِذَا كَانَتْ الرُّطُوبَةُ مَوْجُودَةً فِي غَيْرِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُقَاسَ شَيْءٌ بِشَيْءٍ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يُخَالِفُهُ، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَأَوْجِدْنَا السُّنَّةَ فِيهِ قِيلَ إنْ شَاءَ اللَّهُ أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ مَوْلَى الْأَسْوَدِ بْنِ سُفْيَانَ أَنَّ زَيْدًا أَبَا عَيَّاشٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَأَلَ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ الْبَيْضَاءِ بِالسَّلْتِ فَقَالَ لَهُ سَعْدٌ أَيَّتُهُمَا أَفْضَلُ؟ فَقَالَ الْبَيْضَاءُ فَنَهَى عَنْ ذَلِكَ وَقَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسْأَلُ عَنْ شِرَاءِ التَّمْرِ بِالرُّطَبِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَيَنْقُصُ الرُّطَبُ إذَا يَبِسَ؟» فَقَالُوا: نَعَمْ؛ فَنَهَى عَنْ ذَلِكَ. قال: فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ رَأْيُ سَعْدٍ نَفْسِهِ أَنَّهُ كَرِهَ الْبَيْضَاءَ بِالسَّلْتِ، فَإِنْ كَانَ كَرِهَهَا بِسُنَّةٍ فَذَلِكَ مُوَافِقٌ لِحَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِهِ نَأْخُذُ وَلَعَلَّهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ كَرِهَهَا لِذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ كَرِهَهَا مُتَفَاضِلَةً فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَجَازَ الْبُرَّ بِالشَّعِيرِ مُتَفَاضِلاً وَلَيْسَ فِي قَوْلِ أَحَدٍ حُجَّةٌ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ الْقِيَاسُ عَلَى سُنَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْضًا. قال: وَهَكَذَا كُلُّ مَا اخْتَلَفَتْ أَسْمَاؤُهُ وَأَصْنَافُهُ مِنْ الطَّعَامِ فَلاَ بَأْسَ بِالْفَضْلِ فِي بَعْضِهِ عَلَى بَعْضٍ يَدًا بِيَدٍ وَلاَ خَيْرَ فِيهِ نَسِيئَةً كَالدَّنَانِيرِ بِالدَّرَاهِمِ لاَ يَخْتَلِفُ هُوَ، وَهِيَ وَكَذَلِكَ زَبِيبٌ بِتَمْرٍ وَحِنْطَةٌ بِشَعِيرٍ وَشَعِيرٌ بِسَلْتٍ وَذُرَةٌ بِأُرْزٍ وَمَا اخْتَلَفَ أَصْنَافُهُ مِنْ الْمَأْكُولِ أَوْ الْمَشْرُوبِ، هَكَذَا كُلُّهُ وَفِي حَدِيثِهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. دَلاَئِلُ مِنْهَا أَنَّهُ سَأَلَ أَهْلَ الْعِلْمِ بِالرُّطَبِ عَنْ نُقْصَانِهِ فَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ إذَا حَضَرَهُ أَهْلُ الْعِلْمِ بِمَا يَرِدُ عَلَيْهِ أَنْ يَسْأَلَهُمْ عَنْهُ وَبِهَذَا صِرْنَا إلَى قِيَمِ الْأَمْوَالِ بِقَوْلِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْقَبُولِ مِنْ أَهْلِهَا، وَمِنْهَا أَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَظَرَ فِي مُعْتَقَبِ الرُّطَبِ فَلَمَّا كَانَ يَنْقُصُ لَمْ يُجِزْ بَيْعَهُ بِالتَّمْرِ؛ لِأَنَّ التَّمْرَ مِنْ الرُّطَبِ إذَا كَانَ نُقْصَانُهُ غَيْرَ مَحْدُودٍ وَقَدْ حَرُمَ أَنْ يَكُونَ التَّمْرُ بِالتَّمْرِ إلَّا مِثْلاً بِمِثْلٍ وَكَانَتْ فِيهَا زِيَادَةُ بَيَانِ النَّظَرِ فِي الْمُعْتَقَبِ مِنْ الرُّطَبِ فَدَلَّتْ عَلَى أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ رُطَبٌ بِيَابِسٍ مِنْ جِنْسِهِ لِاخْتِلاَفِ الْكَيْلَيْنِ وَكَذَلِكَ دَلَّتْ عَلَى أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ رُطَبٌ بِرُطَبٍ؛ لِأَنَّهُ نَظَرَ فِي الْبُيُوعِ فِي الْمُعْتَقَبِ خَوْفًا مِنْ أَنْ يَزِيدَ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ فَهُمَا رُطَبَانِ مَعْنَاهُمَا مَعْنًى وَاحِدٌ فَإِذَا نَظَرَ فِي الْمُعْتَقَبِ فَلَمْ يَجُزْ رُطَبٌ بِرُطَبٍ؛ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ وَقَعَتْ وَلاَ يُعْرَف كَيْفَ يَكُونَانِ فِي الْمُعْتَقَبِ وَكَانَ بَيْعًا مَجْهُولاً الْكَيْلُ بِالْكَيْلِ وَلاَ يَجُوزُ الْكَيْلُ وَلاَ الْوَزْنُ بِالْكَيْلِ وَالْوَزْنُ مِنْ جِنْسِهِ إلَّا مِثْلاً بِمِثْلٍ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: مَعْرِفَةُ الْأَعْيَانِ أَنْ يُنْظَرَ إلَى الِاسْمِ الْأَعَمِّ الْجَامِعِ الَّذِي يَنْفَرِدُ بِهِ مِنْ جُمْلَةِ مَا مَخْرَجُهُ مَخْرَجُهَا فَذَلِكَ جِنْسٌ، فَأَصْلُ كُلِّ مَا أَنْبَتَتْ الْأَرْضُ أَنَّهُ نَبَاتٌ ثُمَّ يُفَرَّقُ بِهِ أَسْمَاءُ فَيُقَالُ هَذَا حَبٌّ ثُمَّ يُفَرَّقُ بِالْحَبِّ أَسْمَاءُ وَالْأَسْمَاءُ الَّتِي تُفَرَّقُ بِالْحَبِّ مِنْ جِمَاعِ التَّمْيِيزِ فَيُقَالُ تَمْرٌ وَزَبِيبٌ وَيُقَالُ حِنْطَةٌ وَذُرَةٌ وَشَعِيرٌ وَسَلْتٌ فَهَذَا الْجِمَاعُ الَّذِي هُوَ جِمَاعُ التَّمْيِيزِ وَهُوَ مِنْ الْجِنْسِ الَّذِي تَحْرُمُ الزِّيَادَةُ فِي بَعْضِهِ عَلَى بَعْضٍ إذَا كَانَ مِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ وَهُوَ فِي الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ هَكَذَا وَهُمَا مَخْلُوقَانِ مِنْ الْأَرْضِ أَوْ فِيهَا ثُمَّ هُمَا تِبْرٌ ثُمَّ يُفَرَّقُ بِهِمَا أَسْمَاءُ ذَهَبٌ وَوَرِقٌ وَالتِّبْرُ وَسِوَاهُمَا مِنْ النُّحَاسِ وَالْحَدِيدِ وَغَيْرِهِمَا. قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: وَالْحُكْمُ فِيمَا كَانَ يَابِسًا مِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ مِنْ أَصْنَافِ الطَّعَامِ حُكْمٌ وَاحِدٌ لاَ اخْتِلاَفَ فِيهِ كَحُكْمِ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ بِالْوَرِقِ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ تَحْرِيمَ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ وَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالتَّمْرِ وَالْمِلْحِ ذِكْرًا وَاحِدًا وَحَكَمَ فِيهَا حُكْمًا وَاحِدًا فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ أَحْكَامِهَا بِحَالٍ وَقَدْ جَمَعَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ الرَّبِيعُ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: الْحِنْطَةُ جِنْسٌ، وَإِنْ تَفَاضَلَتْ وَتَبَايَنَتْ فِي الْأَسْمَاءِ كَمَا يَتَبَايَنُ الذَّهَبُ وَيَتَفَاضَلُ فِي الْأَسْمَاءِ فَلاَ يَجُوزُ ذَهَبٌ بِذَهَبٍ إلَّا مِثْلاً بِمِثْلٍ وَزْنًا بِوَزْنٍ يَدًا بِيَدٍ قَالَ وَأَصْلُ الْحِنْطَةِ الْكَيْلُ وَكُلُّ مَا كَانَ أَصْلُهُ كَيْلاً لَمْ يَجُزْ أَنْ يُبَاعَ بِمِثْلِهِ وَزْنًا بِوَزْنٍ وَلاَ وَزْنًا بِكَيْلٍ قَالَ وَلاَ بَأْسَ بِالْحِنْطَةِ مِثْلاً بِمِثْلٍ وَيَدًا بِيَدٍ وَلاَ يَفْتَرِقَانِ حَتَّى يَتَقَابَضَا، وَإِنْ تَفَرَّقَا قَبْلَ أَنْ يَتَقَابَضَا فَسَدَ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا كَمَا يَكُونُ ذَلِكَ فِي الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ لاَ يَخْتَلِفُ قَالَ وَلاَ بَأْسَ بِحِنْطَةٍ جَيِّدَةٍ يَسْوَى مُدُّهَا دِينَارًا بِحِنْطَةٍ رَدِيئَةٍ لاَ يُسَوَّى مُدُّهَا سُدُسَ دِينَارٍ وَلاَ حِنْطَةٍ حَدِيثَةٍ بِحِنْطَةٍ قَدِيمَةٍ وَلاَ حِنْطَةٍ بَيْضَاءَ صَافِيَةٍ بِحِنْطَةٍ سَوْدَاءَ قَبِيحَةٍ مِثْلاً بِمِثْلٍ كَيْلاً بِكَيْلٍ يَدًا بِيَدٍ وَلاَ يَتَفَرَّقَانِ حَتَّى يَتَقَابَضَا إذَا كَانَتْ حِنْطَةُ أَحَدِهِمَا صِنْفًا وَاحِدًا وَحِنْطَةُ بَائِعِهِ صِنْفًا وَاحِدًا وَكُلُّ مَا لَمْ يَجُزْ إلَّا مِثْلاً بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ فَلاَ خَيْرَ فِي أَنْ يُبَاعَ مِنْهُ شَيْءٌ وَمَعَهُ شَيْءٌ غَيْرُهُ بِشَيْءٍ آخَرَ لاَ خَيْرَ فِي مُدِّ تَمْرٍ عَجْوَةٍ وَدِرْهَمٍ بِمُدَّيْ تَمْرٍ عَجْوَةٍ وَلاَ مُدِّ حِنْطَةٍ سَوْدَاءَ وَدِرْهَمٍ بِمُدَّيْ حِنْطَةٍ مَحْمُولَةٍ حَتَّى يَكُونَ الطَّعَامُ بِالطَّعَامِ لاَ شَيْءَ مَعَ وَاحِدٍ مِنْهُمَا غَيْرُهُمَا أَوْ يَشْتَرِي شَيْئًا مِنْ غَيْرِ صِنْفِهِ لَيْسَ مَعَهُ مِنْ صِنْفِهِ شَيْءٌ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَالتَّمْرُ صِنْفٌ وَلاَ بَأْسَ أَنْ يَبْتَاعَ صَاعَ تَمْرٍ بِصَاعِ تَمْرٍ يَدًا بِيَدٍ وَلاَ يَتَفَرَّقَانِ حَتَّى يَتَقَابَضَا. وَلاَ بَأْسَ إذَا كَانَ صَاعُ أَحَدِهِمَا صِنْفًا وَاحِدًا وَصَاعُ الْآخَرِ صِنْفًا وَاحِدًا أَنْ يَأْخُذَهُ، وَإِنْ كَانَ بِرَدِيءٍ وَعَجْوَةٌ بِعَجْوَةٍ أَوْ بِرَدِيءٍ وَصَيْحَانِيٌّ بِصَيْحَانِيٍّ وَلاَ خَيْرَ فِي أَنْ يَكُونَ صَاعُ أَحَدِهِمَا مِنْ تَمْرَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ وَصَاعُ الْآخَرِ مِنْ تَمْرٍ وَاحِدٍ وَلاَ خَيْرَ فِي أَنْ يَتَبَايَعَا التَّمْرَ بِالتَّمْرِ مَوْزُونًا فِي جِلاَلٍ كَانَ أَوْ قِرَبٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وَلَوْ طُرِحَتْ عَنْهُ الْجِلاَلُ وَالْقِرَبُ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُبَاعَ وَزْنًا وَذَلِكَ أَنَّ وَزْنَ التَّمْرِ يَتَبَايَنُ فَيَكُونُ صَاعٌ وَزْنُهُ أَرْطَالٌ وَصَاعٌ آخَرُ وَزْنُهُ أَكْثَرُ مِنْهَا فَلَوْ كَيْلاً كَانَ، صَاعٌ بِأَكْثَرَ مِنْ صَاعٍ كَيْلاً وَهَكَذَا كُلُّ كَيْلٍ لاَ يَجُوزُ أَنْ يُبَاعَ بِمِثْلِهِ وَزْنًا وَكُلُّ وَزْنٍ فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُبَاعَ بِمِثْلِهِ كَيْلاً، وَإِذَا اخْتَلَفَ الصِّنْفَانِ فَلاَ بَأْسَ أَنْ يَبْتَاعَ كَيْلاً، وَإِنْ كَانَ أَصْلُهُ الْوَزْنَ وَجُزَافًا؛ لِأَنَّا إنَّمَا نَأْمُرُ بِبَيْعِهِ عَلَى الْأَصْلِ كَرَاهِيَةَ التَّفَاضُلِ فَإِذَا كَانَ مَا يَجُوزُ فِيهِ التَّفَاضُلُ فَلاَ نُبَالِي كَيْفَ تَبَايَعَاهُ إنْ تَقَابُضَاه قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقَا.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَهَكَذَا كُلُّ صِنْفٍ يَابِسٍ مِنْ الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ فَالْقَوْلُ فِيهِ كَمَا وَصَفْت فِي الْحِنْطَةِ وَالتَّمْرِ لاَ يَخْتَلِفُ فِي حَرْفٍ مِنْهُ وَذَلِكَ يُخَالِفُ الشَّعِيرَ بِالشَّعِيرِ وَالذُّرَةَ بِالذُّرَةِ وَالسَّلْتَ بِالسَّلْتِ وَالدَّخَنَ بِالدَّخَنِ وَالْأُرْزَ بِالْأُرْزِ وَكُلَّ مَا أَكَلَ النَّاسُ مِمَّا يُنْبِتُونَ أَوْ لَمْ يُنْبِتُوا مِثْلَ الْفَثِّ وَغَيْرِهِ مِنْ حَبِّ الْحَنْظَلِ وَسُكَّرِ الْعُشْرِ وَغَيْرِهِ مِمَّا أَكَلَ النَّاسُ وَلَمْ يُنْبِتُوا وَهَكَذَا كُلُّ مَأْكُولٍ يَبِسَ مِنْ أَسْبِيُوشٍ بِأَسْبِيُوشٍ وَثُفَّاءٍ بِثُفَّاءٍ وَصَعْتَرٍ بِصَعْتَرٍ فَمَا بِيعَ مِنْهُ وَزْنًا بِشَيْءٍ مِنْ صِنْفِهِ لَمْ يُصْرَفْ إلَى كَيْلٍ وَمَا بِيعَ مِنْهُ كَيْلاً لَمْ يُصْرَفْ إلَى وَزْنٍ لِمَا وَصَفْتُ مِنْ اخْتِلاَفِهِ فِي يُبْسِهِ وَخِفَّتِهِ وَجَفَائِهِ قَالَ وَهَكَذَا وَكُلُّ مَأْكُولٍ وَمَشْرُوبٍ أَخْرَجَهُ اللَّهُ مِنْ شَجَرٍ أَوْ أَرْضٍ فَكَانَ بِحَالِهِ الَّتِي أَخْرَجَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا إلَى غَيْرِهَا فَأَمَّا مَا لَوْ تَرَكُوهُ لَمْ يَزَلْ رَطْبًا بِحَالِهِ أَبَدًا فَفِي هَذَا الصِّنْفِ مِنْهُ عِلَّةٌ سَأَذْكُرُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَأَمَّا مَا أَحْدَثَ فِيهِ الْآدَمِيُّونَ تَجْفِيفًا مِنْ الثَّمَرِ فَهُوَ شَيْءٌ اسْتَعْجَلُوا بِهِ صَلاَحَهُ، وَإِنْ لَمْ يَنْقُلُوهُ وَتَرَكُوهُ جَفَّ وَمَا أَشْبَهَ هَذَا.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: وَالزَّيْتُونُ مَخْلُوقٌ ثَمَرَةٌ لَوْ تَرَكَهَا الْآدَمِيُّونَ صَحِيحَةً لَمْ يَخْرُجْ مِنْهَا زَيْتٌ وَلَمَّا عَصَرُوهَا خَرَجَتْ زَيْتًا فَإِنَّمَا اُشْتُقَّ لَهَا اسْمُ الزَّيْتِ بِأَنَّ شَجَرَتَهَا زَيْتُونٌ فَاسْمُ ثَمَرَةِ شَجَرَتِهَا الَّتِي مِنْهَا الزَّيْتُ زَيْتُونٌ فَكُلُّ مَا خَرَجَ مِنْ زَيْتِ الزَّيْتُونِ فَهُوَ صِنْفٌ وَاحِدٌ يَجُوزُ فِيهِ مَا يَجُوزُ فِي الْحِنْطَةِ بِالْحِنْطَةِ وَالتَّمْرِ بِالتَّمْرِ وَيُرَدُّ مِنْهُ مَا يُرَدُّ مِنْ الْحِنْطَةِ وَالتَّمْرِ لاَ يَخْتَلِفُ وَقَدْ يُعْصَرُ مِنْ الْفُجْلِ دُهْنٌ يُسَمَّى زَيْتُ الْفُجْلِ قَالَ وَلَيْسَ مِمَّا يَكُونُ بِبِلاَدِنَا فَيُعْرَفُ لَهُ اسْمٌ بِأُمِّهِ وَلَسْت أَعْرِفُهُ يُسَمَّى زَيْتًا إلَّا عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ دُهْنٌ لاَ اسْمَ لَهُ مُسْتَعْمَلٌ فِي بَعْضِ مَا يُسْتَعْمَلُ فِيهِ الزَّيْتُ وَهُوَ مُبَايِنٌ لِلزَّيْتِ فِي طَعْمِهِ وَرِيحِهِ وَشَجَرَتِهِ وَهُوَ زَرْعٌ وَالزَّيْتُونُ أَصْلٌ قَالَ: وَيَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ فَاَلَّذِي هُوَ أَلْيَقُ بِهِ عِنْدِي وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أَنْ لاَ يُحْكَمَ بِأَنْ يَكُونَ زَيْتًا. وَلَكِنْ يُحْكَمُ بِأَنْ يَكُونَ دُهْنًا مِنْ الْأَدْهَانِ فَيَجُوزُ أَنْ يُبَاعَ الْوَاحِدُ مِنْهُ بِالِاثْنَيْنِ مِنْ زَيْتِ الزَّيْتُونِ وَذَلِكَ أَنَّهُ إذَا قَالَ رَجُلٌ أَكَلْت زَيْتًا أَوْ اشْتَرَيْت زَيْتًا عُرِفَ أَنَّهُ يُرَادُ بِهِ زَيْتُ الزَّيْتُونِ؛ لِأَنَّ الِاسْمَ لَهُ دُونَ زَيْتِ الْفُجْلِ وَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ هُوَ صِنْفٌ مِنْ الزَّيْتِ فَلاَ يُبَاعُ بِالزَّيْتِ إلَّا مِثْلاً بِمِثْلٍ وَالسَّلِيطُ دُهْنُ الْجُلْجُلاَنِ وَهُوَ صِنْفٌ غَيْرُ زَيْتِ الْفُجْلِ وَغَيْرِ زَيْتِ الزَّيْتُونِ فَلاَ بَأْسَ بِالْوَاحِدِ مِنْهُ بِالِاثْنَيْنِ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا. وَكَذَلِكَ دُهْنُ الْبِزْرِ وَالْحُبُوبِ كُلِّهَا، كُلُّ دُهْنٍ مِنْهُ مُخَالِفٌ دُهْنَ غَيْرِهِ دُهْنُ الصَّنَوْبَرِ وَدُهْنُ الْحَبِّ الْأَخْضَرِ وَدُهْنُ الْخَرْدَلِ وَدُهْنُ السِّمْسِمِ وَدُهْنُ نَوَى الْمِشْمِشِ وَدُهْنُ اللَّوْزِ وَدُهْنُ الْجَوْزِ فَكُلّ دُهْنٍ مِنْ هَذِهِ الْأَدْهَانِ خَرَجَ مِنْ حَبَّةٍ أَوْ ثَمَرَةٍ فَاخْتَلَفَ مَا يَخْرُجُ مِنْ تِلْكَ الثَّمَرَةِ أَوْ تِلْكَ الْحَبَّةِ أَوْ تِلْكَ الْعُجْمَةِ فَهُوَ صِنْفٌ وَاحِدٌ فَلاَ يَجُوزُ إلَّا مِثْلاً بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ وَكُلُّ صِنْفٍ مِنْهُ خَرَجَ مِنْ حَبَّةٍ أَوْ ثَمَرَةٍ أَوْ عُجْمَةٍ فَلاَ بَأْسَ بِهِ فِي غَيْرِ صِنْفِهِ الْوَاحِدُ مِنْهُ بِالِاثْنَيْنِ مَا لَمْ يَكُنْ نَسِيئَةً لاَ بَأْسَ بِدُهْنِ خَرْدَلٍ بِدُهْنِ فُجْلٍ وَدُهْنِ خَرْدَلٍ بِدُهْنِ لَوْزٍ وَدُهْنِ لَوْزٍ بِدُهْنِ جَوْزٍ، اُرْدُدْ أُصُولَهُ كُلَّهُ إلَى مَا خَرَجَ مِنْهُ فَإِذَا كَانَ مَا خَرَجَ مِنْهُ وَاحِدًا فَهُوَ صِنْفٌ كَالْحِنْطَةِ صِنْفٌ. وَإِذَا خَرَجَ مِنْ أَصْلَيْنِ مُفْتَرَقَيْنِ فَهُمَا صِنْفَانِ مُفْتَرَقَانِ كَالْحِنْطَةِ وَالتَّمْرِ فَعَلَى هَذَا جَمِيعُ الْأَدْهَانِ الْمَأْكُولَةِ وَالْمَشْرُوبَةِ لِلْغِذَاءِ وَالتَّلَذُّذِ لاَ يَخْتَلِفُ الْحُكْمُ فِيهَا كَهُوَ فِي التَّمْرِ وَالْحِنْطَةِ سَوَاءٌ، فَإِنْ كَانَ مِنْ هَذِهِ الْأَدْهَانِ شَيْءٌ لاَ يُؤْكَلُ وَلاَ يُشْرَبُ بِحَالٍ أَبَدًا لِدَوَاءٍ وَلاَ لِغَيْرِهِ فَهُوَ خَارِجٌ مِنْ الرِّبَا فَلاَ بَأْسَ أَنْ يُبَاعَ وَاحِدٌ مِنْهُ بِعَشْرَةٍ مِنْهُ يَدًا بِيَدٍ وَنَسِيئَةً وَوَاحِدٌ مِنْهُ بِوَاحِدٍ مِنْ غَيْرِهِ وَبِاثْنَيْنِ يَدًا بِيَدٍ وَنَسِيئَةً إنَّمَا الرِّبَا فِيمَا أُكِلَ أَوْ شُرِبَ بِحَالٍ وَفِي الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ قَدْ يَجْمَعُهَا اسْمُ الدُّهْنِ قِيلَ وَكَذَلِكَ يَجْمَعُ الْحِنْطَةَ وَالذُّرَةَ وَالْأُرْزَ اسْمُ الْحَبِّ فَلَمَّا تَبَايَنَ حِلُّ الْفَضْلِ فِي بَعْضِهِ عَلَى بَعْضٍ يَدًا بِيَدٍ وَلَيْسَ لِلْأَدْهَانِ أَصْلُ اسْمٍ مَوْضُوعٍ عِنْدَ الْعَرَبِ إنَّمَا سُمِّيَتْ بِمَعَانِي أَنَّهَا تُنْسَبُ إلَى مَا تَكُونُ مِنْهُ فَأَمَّا أُصُولُهَا مِنْ السِّمْسِمِ وَالْحَبِّ الْأَخْضَرِ وَغَيْرِهِ فَمَوْضُوعٌ لَهُ أَسْمَاءُ كَأَسْمَاءِ الْحِنْطَةِ لاَ بِمَعَانٍ. فَإِنْ قِيلَ فَالْحَبُّ الْأَخْضَرُ بِمَعْنًى فَاسْمُهُ عِنْدَ مَنْ يَعْرِفُهُ الْبُطْمُ وَالْعَسَلُ الَّذِي لاَ يُعْرَفُ بِالِاسْمِ الْمَوْضُوعِ وَاَلَّذِي إذَا لَقِيت رَجُلاً فَقُلْت لَهُ عَسَلٌ عَلِمَ أَنَّ عَسَلَ النَّحْلِ صِنْفٌ وَقَدْ سُمِّيَتْ أَشْيَاءُ مِنْ الْحَلاَوَةِ تُسَمَّى بِهَا عَسَلاً وَقَالَتْ الْعَرَبُ لِلْحَدِيثِ الْحُلْوِ حَدِيثٌ مَعْسُولٌ وَقَالَتْ لِلْمَرْأَةِ الْحُلْوَةِ الْوَجْهِ مَعْسُولَةُ الْوَجْهِ وَقَالَتْ فِيمَا الْتَذَّتْ هَذَا عَسَلٌ وَهَذَا مَعْسُولٌ وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لاَ يَحِلُّ لَكِ حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ». يَعْنِي يُجَامِعُهَا؛ لِأَنَّ الْجِمَاعَ هُوَ الْمُسْتَحْلَى مِنْ الْمَرْأَةِ فَقَالُوا لِكُلِّ مَا اسْتَحْلَوْهُ عَسَلٌ وَمَعْسُولٌ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ يُسْتَحْلَى اسْتِحْلاَءَ الْعَسَلِ قَالَ فَعَسَلُ النَّحْلِ الْمُنْفَرِدِ بِالِاسْمِ دُونَ مَا سِوَاهُ مِنْ الْحُلْوِ فَإِنَّمَا سُمِّيَتْ عَلَى مَا وُصِفَتْ مِنْ الشَّبَهِ وَالْعَسَلُ فِطْرَةُ الْخَالِقِ لاَ صَنْعَةَ لِلْآدَمِيِّينَ فِيهِ وَمَا سِوَاهُ مِنْ الْحُلْوِ فَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ مِنْ قَصَبٍ أَوْ ثَمَرَةٍ أَوْ حَبَّةٍ كَمَا تُسْتَخْرَجُ الْأَدْهَانُ فَلاَ بَأْسَ بِالْعَسَلِ بِعَصِيرِ قَصَبِ السُّكْرِ؛ لِأَنَّهُ لاَ يُسَمَّى عَسَلاً إلَّا عَلَى مَا وَصَفْت فَإِنَّمَا يُقَالُ عَصِيرُ قَصَبٍ وَلاَ بَأْسَ الْعَسَلُ بِعَصِيرِ الْعِنَبِ وَلاَ بِرُبِّ الْعِنَبِ وَلاَ بَأْسَ بِعَصِيرِ الْعِنَبِ بِعَصِيرِ قَصَبِ السُّكَّرِ؛ لِأَنَّهُمَا مُحْدَثَانِ وَمِنْ شَجَرَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ. وَكَذَلِكَ رُبِّ التَّمْرِ بِرُبِّ الْعِنَبِ مُتَفَاضِلاً وَهَكَذَا كُلُّ مَا اُسْتُخْرِجَ مِنْ شَيْءٍ فَكَانَ حُلْوًا فَأَصْلُهُ عَلَى مَا وَصَفْت عَلَيْهِ أُصُولَ الْأَدْهَانِ مِثْلُ عَصِيرِ الرُّمَّانِ بِعَصِيرِ السَّفَرْجَلِ وَعَصِيرِ التُّفَّاحِ بِعَصِيرِ اللَّوْزِ وَمَا أَشْبَهَ هَذَا، فَعَلَى هَذَا الْبَابِ كُلِّهِ وَقِيَاسِهِ وَلاَ يَجُوزُ مِنْهُ صِنْفٌ بِمِثْلِهِ إلَّا يَدًا بِيَدٍ وَزْنًا بِوَزْنٍ إنْ كَانَ يُوزَنُ وَكِيلاً إنْ كَانَ أَصْلُهُ الْكَيْلَ بِكَيْلٍ وَلاَ يَجُوزُ مِنْهُ مَطْبُوخٌ بِنَيْءٍ بِحَالٍ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ إنَّمَا يُدَّخَرُ مَطْبُوخًا فَأَعْطَيْت مِنْهُ نَيْئًا بِمَطْبُوخٍ فَالنَّيْءُ إذَا طُبِخَ يَنْقُصُ فَيَدْخُلُ فِيهِ النُّقْصَانُ فِي النَّيْءِ فَلاَ يَحِلُّ. إلَّا مِثْلاً بِمِثْلٍ وَلاَ يُبَاعُ مِنْهُ وَاحِدٌ بِآخَرَ مَطْبُوخَيْنِ مَعًا؛ لِأَنَّ النَّارَ تَبْلُغُ مِنْ بَعْضِهِ أَكْثَرَ مِمَّا تَبْلُغُ مِنْ بَعْضٍ وَلَيْسَ لِلْمَطْبُوخِ غَايَةٌ يَنْتَهِي إلَيْهَا كَمَا يَكُونُ لِلتَّمْرِ فِي الْيُبْسِ غَايَةٌ يَنْتَهِي إلَيْهَا وَقَدْ يُطْبَخُ فَيَذْهَبُ مِنْهُ جُزْءٌ مِنْ مِائَةِ جُزْءٍ وَيُطْبَخُ فَيَذْهَبُ مِنْهُ عَشْرَةُ أَجْزَاءٍ مِنْ أَحَدَ عَشَرَ جُزْءًا فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُبَاعَ مِنْهُ مَطْبُوخٌ بِمَطْبُوخٍ لِمَا وَصَفْت وَلاَ مَطْبُوخٌ بِنَيْءٍ وَلاَ يَجُوزُ إلَّا نَيْءٌ بِنَيْءٍ. فَإِنْ كَانَ مِنْهُ شَيْءٌ لاَ يُعْصَرُ إلَّا مَشُوبًا بِغَيْرِهِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُبَاعَ بِصِنْفِهِ مِثْلاً بِمِثْلٍ؛ لِأَنَّهُ لاَ يُدْرَى مَا حِصَّةُ الْمَشُوبِ مِنْ حِصَّةِ الشَّيْءِ الْمَبِيعِ بِعَيْنِهِ الَّذِي لاَ يَحِلُّ الْفَضْلُ فِي بَعْضِهِ عَلَى بَعْضٍ.
أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ: قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ وَفِي السُّنَّةِ خَبَرٌ نَصًّا وَدَلاَلَةً بِالْقِيَاسِ عَلَيْهَا أَنَّهُ إذَا اخْتَلَفَ الصِّنْفَانِ فَلاَ بَأْسَ بِالْفَضْلِ فِي بَعْضِهِ عَلَى بَعْضٍ يَدًا بِيَدٍ وَلاَ خَيْرَ فِيهِ نَسِيئَةً وَذَلِكَ فِي حَدِيثِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ بَيِّنٌ، وَمَا سِوَاهُ قِيَاسٌ عَلَيْهِ فِي مِثْلِ مَعْنَاهُ وَلاَ بَأْسَ بِمُدِّ حِنْطَةٍ بِمُدَّيْ شَعِيرٍ وَمُدِّ حِنْطَةٍ بِمُدَّيْ أُرْزٍ وَمُدِّ حِنْطَةٍ بِمُدَّيْ ذُرَةٍ وَمُدِّ حِنْطَةٍ بِمُدَّيْ تَمْرٍ وَمُدِّ تَمْرٍ بِمُدَّيْ زَبِيبٍ وَمُدِّ زَبِيبٍ بِمُدَّيْ مِلْحٍ وَمُدِّ مِلْحٍ بِمُدَّيْ حِنْطَةٍ وَالْمِلْحُ كُلُّهُ صِنْفُ مِلْحُ جَبَلٍ وَبَحْرٍ وَمَا وَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ مِلْحٍ وَهَكَذَا الْقَوْلُ فِيمَا اخْتَلَفَتْ أَجْنَاسُهُ فَلاَ بَأْسَ بِالْفَضْلِ فِي بَعْضِهِ عَلَى بَعْضٍ يَدًا بِيَدٍ وَلاَ خَيْرَ فِيهِ نَسِيئَةً مِثْلُ الذَّهَبِ بِالْفِضَّةِ سَوَاءً لاَ يَخْتَلِفَانِ فَعَلَى هَذَا. هَذَا الْبَابُ كُلُّهُ وَقِيَاسُهُ وَكُلُّ مَا سَكَتَ عَنْهُ مِمَّا يُؤْكَلُ أَوْ يُشْرَبُ بِحَالٍ أَبَدًا يُبَاعُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ صِنْفٌ مِنْهُ بِصِنْفٍ فَهُوَ كَالذَّهَبِ بِالذَّهَبِ أَوْ صِنْفٌ بِصِنْفٍ يُخَالِفُهُ فَهُوَ كَالذَّهَبِ بِالْوَرِقِ لاَ يَخْتَلِفَانِ فِي حَرْفٍ وَلاَ يَكُونُ الرَّجُلُ لاَزِمًا لِلْحَدِيثِ حَتَّى يَقُولَ هَذَا؛ لِأَنَّ مَخْرَجَ الْكَلاَمِ فِيمَا حَلَّ بَيْعُهُ وَحُرِّمَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاحِدٌ، وَإِذَا تَفَرَّقَ الْمُتَبَايِعَانِ الطَّعَامَ بِالطَّعَامِ قَبْلَ أَنْ يَتَقَابَضَا انْتَقَضَ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا قَالَ وَالْعَسَلُ كُلُّهُ صِنْفٌ وَاحِدٌ فَلاَ بَأْسَ بِوَاحِدٍ مِنْهُ بِوَاحِدٍ يَدًا بِيَدٍ وَلاَ خَيْرَ فِيهِ مُتَفَاضِلاً يَدًا بِيَدٍ وَلاَ مُسْتَوِيًا وَلاَ مُتَفَاضِلاً نَسِيئَةً وَلاَ يُبَاعُ عَسَلٌ بِعَسَلٍ إلَّا مُصَفَّيَيْنِ مِنْ الشَّمْعِ وَذَلِكَ أَنَّ الشَّمْعَ غَيْرُ الْعَسَلِ فَلَوْ بِيعَا وَزْنًا وَفِي أَحَدِهِمَا الشَّمْعُ كَانَ الْعَسَلُ بِأَقَلَّ مِنْهُ وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَهُ وَزْنًا وَفِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَمْعٌ لَمْ يَخْرُجَا مِنْ أَنْ يَكُونَ مَا فِيهِمَا مِنْ الْعَسَلِ مِنْ وَزْنِ الشَّمْعِ مَجْهُولاً فَلاَ يَجُوزُ مَجْهُولٌ بِمَجْهُولٍ وَقَدْ يَدْخُلُهُمَا أَنَّهُمَا عَسَلٌ بِعَسَلٍ مُتَفَاضِلاً وَكَذَلِكَ لَوْ بِيعَا كَيْلاً بِكَيْلٍ وَلاَ خَيْرَ فِي مُدِّ حِنْطَةٍ فِيهَا قَصْلٌ أَوْ فِيهَا حِجَارَةٌ أَوْ فِيهَا زُوَانٌ بِمُدِّ حِنْطَةٍ لاَ شَيْءَ فِيهَا مِنْ ذَلِكَ أَوْ فِيهَا تِبْنٌ؛ لِأَنَّهَا الْحِنْطَةُ بِالْحِنْطَةِ مُتَفَاضِلَةً وَمَجْهُولَةً كَمَا وَصَفْتُ فِي الْعَسَلِ بِالْعَسَلِ وَهَكَذَا كُلُّ صِنْفٍ مِنْ هَذِهِ خَلَطَهُ غَيْرُهُ مِمَّا يَقْدِرُ عَلَى تَمْيِيزِهِ مِنْهُ لَمْ يَجُزْ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ إلَّا خَالِصًا مِمَّا يَخْلِطُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَا يُخْلَطُ الْمَكِيلُ لاَ يَزِيدُ فِي كَيْلِهِ مِثْلُ قَلِيلِ التُّرَابِ وَمَا دُقَّ مِنْ تِبْنِهِ فَكَانَ مِثْلَ التُّرَابِ فَذَلِكَ لاَ يَزِيدُ فِي كَيْلِهِ فَأَمَّا الْوَزْنُ فَلاَ خَيْرَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا فِيهِ؛ لِأَنَّ كُلَّ هَذَا يَزِيدُ فِي الْوَزْنِ وَهَكَذَا كُلُّ مَا شَابَهَ غَيْرُهُ فَبِيعَ وَاحِدٌ مِنْهُ بِوَاحِدٍ مِنْ جِنْسِهِ وَزْنًا بِوَزْنٍ فَلاَ خَيْرَ فِيهِ. وَإِنْ بِيعَ كَيْلاً بِكَيْلٍ فَكَانَ مَا شَابَهَ يَنْقُصُ مِنْ كَيْلِ الْجِنْسِ فَلاَ خَيْرَ فِيهِ مِثْلُ مَا وَصَفْت مِنْ الْحِنْطَةِ مَعَهَا شَيْءٌ بِحِنْطَةٍ وَهِيَ مِثْلُ لَبَنٍ خَلَطَهُ مَاءٌ بِلَبَنٍ خَلَطَهُ مَاءٌ أَوْ لَمْ يَخْلِطْهُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لاَ يُعْرَفُ قَدْرُ مَا دَخَلَهُ أَوْ دَخَلَهَا مَا مَعًا مِنْ الْمَاءِ فَيَكُونُ اللَّبَنُ بِاللَّبَنِ مُتَفَاضِلاً.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: الرُّطَبُ يَعُودُ تَمْرًا وَلاَ أَصْلَ لِلتَّمْرِ إلَّا الرُّطَبَ فَلَمَّا نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ وَكَانَ فِي الْخَبَرِ عَنْهُ أَنَّ نَهْيَهُ عَنْهُ أَنَّهُ نَظَرَ فِي الْمُعْتَقَبِ وَكَانَ مَوْجُودًا فِي سُنَّتِهِ تَحْرِيمُ التَّمْرِ بِالتَّمْرِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْمَأْكُولِ إلَّا مِثْلاً بِمِثْلٍ قُلْنَا بِهِ عَلَى مَا قَالَهُ وَفَسَّرَ لَنَا مَعْنَاهُ فَقُلْنَا لاَ يَجُوزُ رُطَبٌ بِرُطَبٍ؛ لِأَنَّهُ إذَا نَظَرَ فِيهِ فِي الْمُعْتَقَبِ فَلاَ يَخْرُجُ مِنْ الرُّطَبِ بِالرُّطَبِ أَبَدًا مِنْ أَنْ يُبَاعَ مَجْهُولَ الْكَيْلِ إذَا عَادَ تَمْرًا وَلاَ خَيْرَ فِي تَمْرٍ بِتَمْرٍ مَجْهُولِي الْكَيْلِ مَعًا وَلاَ أَحَدَهُمَا مَجْهُولٌ؛ لِأَنَّ نُقْصَانَهُمَا أَبَدًا يَخْتَلِفُ فَيَكُونُ أَحَدُ التَّمْرِينِ بِالْآخَرِ وَأَحَدُهُمَا أَكْثَرُ كَيْلاً مِنْ الْآخَرِ، وَقَدْ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ هَذَا. قال: فَإِذَا كَانَ هَذَا هَكَذَا لَمْ يَجُزْ أَنْ يُبَاعَ رُطَبٌ مِنْهُ كَيْلاً بِرُطَبٍ لِمَا وَصَفْت قِيَاسًا عَلَى الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ وَالتَّمْرِ بِالتَّمْرِ وَاللَّحْمُ كُلُّهُ صِنْفٌ وَاحِدٌ وَحْشِيُّهُ وَطَائِرُهُ وَإِنْسِيُّهُ لاَ يَحِلُّ الْفَضْلُ فِي بَعْضِهِ عَلَى بَعْضٍ وَلاَ يَحِلُّ حَتَّى يَكُونَ مِثْلاً بِمِثْلٍ وَزْنًا بِوَزْنٍ وَيَكُونَ يَابِسًا وَيَخْتَلِفُ فَيَكُونُ لَحْمُ الْوَحْشِ بِلَحْمِ الطَّيْرِ وَاحِدٌ بِاثْنَيْنِ وَأَكْثَرَ وَلاَ خَيْرَ فِي تَمْرِ نَخْلَةٍ بِرُطَبِ نَخْلَةٍ بِخَرْصٍ وَلاَ بِتَجْرٍ وَلاَ غَيْرِهِ فَالْقَسْمُ وَالْمُبَادَلَةُ وَكُلُّ مَا أُخِذَ لَهُ عِوَضٌ مِثْلُ الْبَيْعِ فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُقَاسِمَ رَجُلٌ رَجُلاً رُطَبًا فِي نَخْلِهِ وَلاَ فِي الْأَرْضِ وَلاَ يُبَادِلُهُ بِهِ؛ لِأَنَّ كُلَّهُمَا فِي مَعْنَى الْبَيْعِ هَهُنَا إلَّا الْعَرَايَا الْمَخْصُوصَةَ وَهَكَذَا كُلُّ صِنْفٍ مِنْ الطَّعَامِ الَّذِي يَكُونُ رَطْبًا ثُمَّ يَيْبَسُ فَلاَ يَجُوزُ فِيهِ إلَّا مَا جَازَ فِي الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ وَالرُّطَبِ نَفْسِهِ بِبَعْضٍ لاَ يَخْتَلِفُ ذَلِكَ وَهَكَذَا مَا كَانَ رَطْبًا فِرْسِكٍ وَتُفَّاحٌ وَتِينٌ وَعِنَبٌ وَإِجَّاصٌ وَكُمَّثْرَى وَفَاكِهَةٌ لاَ يُبَاعُ شَيْءٌ مِنْهَا بِشَيْءٍ رَطْبًا وَلاَ رَطْبٌ مِنْهَا بِيَابِسٍ وَلاَ جُزَافٌ مِنْهَا بِمَكِيلٍ وَلاَ يُقَسَّمُ رَطْبٌ مِنْهَا عَلَى الْأَرْضِ بِكَيْلٍ وَلاَ وَزْنٍ وَلاَ فِي شَجَرِهَا؛ لِأَنَّ حُكْمَهَا كَمَا وَصَفْت فِي الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ وَالرُّطَبِ بِالرُّطَبِ وَهَكَذَا كُلُّ مَأْكُولٍ لَوْ تُرِكَ رَطْبًا يَيْبَسُ فَيَنْقُصُ وَهَكَذَا كُلُّ رُطَبٍ لاَ يَعُودُ تَمْرًا بِحَالٍ وَكُلُّ رَطْبٍ مِنْ الْمَأْكُولِ لاَ يَنْفَعُ يَابِسًا بِحَالٍ مِثْلُ الْخِرْبِزِ وَالْقِثَّاءِ وَالْخِيَارِ وَالْفَقُّوسِ وَالْجَزَرِ وَالْأُتْرُجِّ لاَ يُبَاعُ مِنْهُ شَيْءٌ بِشَيْءٍ مِنْ صِنْفِهِ وَزْنًا بِوَزْنٍ وَلاَ كَيْلاً بِكَيْلٍ لِمَعْنًى مَا فِي الرُّطُوبَةِ مِنْ تَغَيُّرِهِ اخْتَلَفَ الصِّنْفَانِ مِنْهُ فَلاَ بَأْسَ بِبِطِّيخٍ بِقِثَّاءَ مُتَفَاضِلاً جُزَافًا وَوَزْنًا وَكَيْفَمَا شَاءَ إذَا أَجَزْت التَّفَاضُلَ فِي الْوَزْنِ أَجَزْت أَنْ يُبَاعَ جُزَافًا؛ لِأَنَّهُ لاَ مَعْنَى الْجُزَافِ يُحَرِّمُهُ إلَّا التَّفَاضُلُ وَالتَّفَاضُلُ فِيهِمَا مُبَاحٌ وَهَكَذَا جَزَرٌ بِأُتْرُجٍّ وَرُطَبٌ بِعِنَبٍ فِي شَجَرِهِ وَمَوْضُوعًا جُزَافًا وَمَكِيلاً كَمَا قُلْنَا فِيمَا اخْتَلَفَ أَصْنَافُهُ مِنْ الْحِنْطَةِ وَالذُّرَةِ وَالزَّبِيبِ وَالتَّمْرِ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْمَعْنَى لاَ يُخَالِفُهُ وَفِي كُلِّ مَا خَرَجَ مِنْ الْأَرْضِ مِنْ مَأْكُولٍ وَمِنْ مَشْرُوبٍ وَالرَّطْبُ مِنْ الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا يَكُونُ رَطْبًا ثُمَّ يُتْرَكُ بِلاَ عَمَلٍ مِنْ عَمَلِ الْآدَمِيِّينَ يُغَيِّرُهُ عَنْ بِنْيَةِ خِلْقَتِهِ مِثْلُ مَا يُطْبَخُ فَتَنْقُصُهُ النَّارُ وَيُحْمَلُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ فَيَذْهَبُ رُطُوبَتُهُ وَيُغَيِّرُهُ مِثْلُ الرُّطَبِ يَعُود تَمْرًا وَاللَّحْمِ يُقَدَّدُ بِلاَ طَبْخٍ يُغَيِّرُهُ وَلاَ عَمَلِ شَيْءٍ حُمِلَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ فَكُلُّ مَا كَانَ مِنْ الرَّطْبِ فِي هَذَا الْمَعْنَى لَمْ يَجُزْ أَنْ يُبَاعَ مِنْهُ رَطْبٌ بِيَابِسٍ مِنْ صِنْفِهِ وَزْنًا بِوَزْنٍ وَلاَ كَيْلاً بِكَيْلٍ وَلاَ رَطْبٌ بِرَطْبٍ وَزْنًا بِوَزْنٍ وَلاَ كَيْلاً بِكَيْلٍ كَمَا وَصَفْت فِي الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ وَمِثْلُهُ كُلُّ فَاكِهَةٍ يَأْكُلُهَا الْآدَمِيُّونَ فَلاَ يَجُوزُ رَطْبٌ بِيَابِسٍ مِنْ صِنْفِهَا وَلاَ رَطْبٌ بِرَطْبٍ مِنْ صِنْفِهَا لِمَا وَصَفْته مِنْ الِاسْتِدْلاَلِ بِالسُّنَّةِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: وَهَكَذَا اللَّحْمُ لاَ يَجُوزُ مِنْهُ بَيْعُ لَحْمٍ ضَائِنٍ بِلَحْمٍ ضَائِنٍ رَطْلاً بِرَطْلٍ أَحَدُهُمَا يَابِسٌ وَالْآخَرُ رَطْبٌ وَلاَ كِلاَهُمَا رَطْبٌ؛ لِأَنَّهُ لاَ يَكُونُ اللَّحْمُ يَنْقُصُ نُقْصَانًا وَاحِدًا لِاخْتِلاَفِ خِلْقَتِهِ وَمَرَاعِيهِ الَّتِي يَغْتَذِي مِنْهَا لَحْمُهُ فَيَكُونُ مِنْهَا الرَّخْصُ الَّذِي يَنْقُصُ إذَا يَبِسَ نُقْصَانًا كَثِيرًا وَالْغَلِيظُ الَّذِي يَقِلُّ نَقْصُهُ ثُمَّ يَخْتَلِفُ غِلَظُهُمَا بِاخْتِلاَفِ خِلْقَتِهِ وَرُخْصُهُمَا بِاخْتِلاَفِ خِلْقَتِهِ فَلاَ يَجُوزُ لَحْمٌ أَبَدًا إلَّا يَابِسًا قَدْ بَلَغَ إنَاهُ بِيُبْسِهِ وَزْنًا بِوَزْنٍ مِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ كَالتَّمْرِ كَيْلاً بِكَيْلٍ مِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ وَيَدًا بِيَدٍ وَلاَ يَفْتَرِقَانِ حَتَّى يَتَقَابَضَا، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَهَلْ يَخْتَلِفُ الْوَزْنُ وَالْكَيْلُ فِيمَا بِيعَ يَابِسًا؟ قِيلَ يَجْتَمِعَانِ وَيَخْتَلِفَانِ، فَإِنْ قِيلَ قَدْ عَرَفْنَا حَيْثُ يَجْتَمِعَانِ فَأَيْنَ يَخْتَلِفَانِ؟ قِيلَ التَّمْرُ إذَا وَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ الْيُبْسِ وَلَمْ يَبْلُغْ إنَاهُ بِيُبْسِهِ فَبِيعَ كَيْلاً بِكَيْلٍ لَمْ يَنْقُصْ فِي الْكَيْلِ شَيْئًا. وَإِذَا تُرِكَ زَمَانًا نَقَصَ فِي الْوَزْنِ؛ لِأَنَّ الْجُفُوفَ كُلَّمَا زَادَ فِيهِ كَانَ أَنْقَصَ لِوَزْنِهِ حَتَّى يَتَنَاهَى قَالَ وَمَا بِيعَ وَزْنًا فَإِنَّمَا قُلْت فِي اللَّحْمِ لاَ يُبَاعُ حَتَّى يَتَنَاهَى جُفُوفُهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَدْخُلُهُ اللَّحْمُ بِاللَّحْمِ مُتَفَاضِلَ الْوَزْنِ أَوْ مَجْهُولاً، وَإِنْ كَانَ بِبِلاَدٍ نَدِيَّةٍ فَكَانَ إذَا يَبِسَ ثُمَّ أَصَابَهُ النَّدَى رَطِبَ حَتَّى يَثْقُلَ لَمْ يُبَعْ وَزْنًا بِوَزْنٍ رَطْبًا مِنْ نَدًى حَتَّى يَعُودَ إلَى الْجُفُوفِ وَحَالُهُ إذَا حَدَثَ النَّدَى فَزَادَ فِي وَزْنِهِ كَحَالِهِ الْأُولَى وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُبَاعَ حَتَّى يَتَنَاهَى جُفُوفُهُ كَمَا لَمْ يَجُزْ فِي الِابْتِدَاءِ وَالْقَوْلُ فِي اللَّحْمَانِ الْمُخْتَلِفَةِ وَاحِدٌ مِنْ قَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ لَحْمَ الْغَنَمِ صِنْفٌ وَلَحْمَ الْإِبِلِ صِنْفٌ وَلَحْمَ الْبَقَرِ صِنْفٌ وَلَحْمَ الظِّبَاءِ صِنْفٌ وَلَحْمَ كُلِّ مَا تَفَرَّقَتْ بِهِ أَسْمَاءُ دُونَ الْأَسْمَاءِ الْجَامِعَةِ صِنْفٌ فَيُقَالُ كُلُّهُ حَيَوَانٌ وَكُلُّهُ دَوَابُّ وَكُلُّهُ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَهَذَا جِمَاعُ أَسْمَائِهِ كُلِّهِ ثُمَّ تَفَرَّقَ أَسْمَاؤُهُ فَيُقَالُ لَحْمُ غَنَمٍ وَلَحْمُ إبِلٍ وَلَحْمُ بَقَرٍ وَيُقَالُ لَحْمُ ظِبَاءَ وَلَحْمُ أَرَانِبَ وَلَحْمُ يَرَابِيعَ وَلَحْمُ ضِبَاعٍ وَلَحْمُ ثَعَالِبَ ثُمَّ يُقَالُ فِي الطَّيْرِ هَكَذَا لَحْمُ كَرَاكِي وَلَحْمُ حُبَارَيَاتٍ وَلَحْمُ حَجْلٍ وَلَحْمُ يعاقيب وَكَمَا يُقَالُ طَعَامٌ ثُمَّ يُقَالُ حِنْطَةٌ وَذُرَةٌ وَشَعِيرٌ وَأُرْزٌ وَهَذَا قَوْلٌ يَصِحُّ وَيَنْقَاسُ فَمَنْ قَالَ هَذَا قَالَ الْغَنَمُ صِنْفٌ ضَأْنُهَا وَمَعْزَاهَا وَصِغَارُ ذَلِكَ وَكِبَارُهُ وَإِنَاثُهُ وَفُحُولُهُ وَحُكْمُهَا أَنَّهَا تَكُونُ مِثْلَ الْبُرِّ الْمُتَفَاضِلِ صِنْفًا وَالتَّمْرِ الْمُتَبَايِنِ الْمُتَفَاضِلِ صِنْفًا فَلاَ يُبَاعُ مِنْهُ يَابِسٌ مُنْتَهَى الْيُبْسِ بِيَابِسٍ مِثْلِهِ إلَّا وَزْنًا بِوَزْنٍ يَدًا بِيَدٍ، وَإِذَا جَازَ الْفَضْلُ فِي بَعْضِهِ عَلَى بَعْضٍ يَدًا بِيَدٍ وَزْنًا بِوَزْنٍ لَمْ يَكُنْ لِلْوَزْنِ مَعْنًى إلَّا أَنْ يَعْرِفَ الْمُتَبَايِعَانِ مَا اشْتَرَيَا وَبَاعَا وَلاَ بَأْسَ بِهِ جُزَافًا وَكَيْفَ شَاءَ مَا لَمْ يَدْخُلْهُ نَسِيئَةٌ كَمَا قُلْنَا فِي التَّمْرِ بِالزَّبِيبِ وَالْحِنْطَةِ بِالذُّرَةِ وَلاَ يَخْتَلِفُ ذَلِكَ ثُمَّ هَكَذَا الْقَوْلُ فِي لَحْمِ الْأَنِيسِ وَالْوَحْشِ كُلِّهِ فَلاَ خَيْرَ فِي لَحْمِ طَيْرٍ بِلَحْمِ طَيْرٍ إلَّا أَنْ يَيْبَسَ مُنْتَهَى الْيُبْسِ وَزْنًا بِوَزْنٍ يَدًا بِيَدٍ كَمَا قُلْنَا فِي لَحْمِ الْغَنَمِ وَلاَ بَأْسَ بِلَحْمِ ظَبْيٍ بِلَحْمِ أَرْنَبٍ رَطْبًا بِرَطْبٍ وَيَابِسًا بِيَابِسٍ مِثْلاً بِمِثْلٍ وَبِأَكْثَرَ وَزْنًا بِجُزَافٍ وَجُزَافًا بِجُزَافٍ لِاخْتِلاَفِ الصِّنْفَيْنِ. وَهَكَذَا الْحِيتَانِ كُلُّهُ لاَ يَجُوزُ فِيهِ أَنْ أَقُولَ هُوَ صِنْفٌ؛ لِأَنَّهُ سَاكِنُ الْمَاءِ وَلَوْ زَعَمْته زَعَمْت أَنَّ سَاكِنَ الْأَرْضِ كُلَّهُ صِنْفٌ وَحْشِيُّهُ وَإِنْسِيُّهُ أَوْ كَانَ أَقَلَّ مَا يَلْزَمُنِي أَنْ أَقُولَ ذَلِكَ فِي وَحْشِيِّهِ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ اسْمُ الصَّيْدِ فَإِذَا اخْتَلَفَ الْحَيَوَانُ فَكُلُّ مَا تَمْلِكُهُ وَيَصِيرُ لَك فَلاَ بَأْسَ بِرَطْلٍ مِنْ أَحَدِهِمَا بِأَرْطَالٍ مِنْ الْآخَرِ يَدًا بِيَدٍ وَلاَ خَيْرَ فِيهِ نَسِيئَةً وَلاَ بَأْسَ فِيهِ يَدًا بِيَدٍ وَجُزَافًا بِجُزَافٍ وَجُزَافًا بِوَزْنٍ وَلاَ خَيْرَ فِي رَطْلِ لَحْمِ حُوتٍ تَمْلِكُهُ رَطْبًا بِرَطْلِ لَحْمٍ تَمْلِكُهُ رَطْبًا وَلاَ أَحَدُهُمَا رَطْبٌ وَالْآخَرُ يَابِسٌ وَلاَ خَيْرَ فِيهِ حَتَّى يُمَلَّحَ وَيُجَفَّفَ وَيَنْتَهِي نُقْصَانُهُ وَجُفُوفُ مَا كَثُرَ لَحْمُهُ مِنْهُ أَنْ يُمَلَّحَ وَيَسِيلَ مَاؤُهُ فَذَلِكَ انْتِهَاءُ جُفُوفِهِ فَإِذَا انْتَهَى بِيعَ رَطْلاً بِرَطْلٍ وَزْنًا بِوَزْنٍ يَدًا بِيَدٍ مِنْ صِنْفٍ فَإِذَا اخْتَلَفَ فَلاَ بَأْسَ بِالْفَضْلِ فِي بَعْضِهِ عَلَى بَعْضٍ يَدًا بِيَدٍ، وَلاَ خَيْرَ فِيهِ نَسِيئَةً. وَمَا رَقَّ لَحْمُهُ مِنْ الْحِيتَانِ إذَا وُضِعَ جَفَّ جُفُوفًا شَدِيدًا فَلاَ خَيْرَ فِي ذَلِكَ حَتَّى يَبْلُغَ إبَّانَهُ مِنْ الْجُفُوفِ وَيُبَاعُ الصِّنْفُ مِنْهُ بِمِثْلِهِ وَزْنًا بِوَزْنٍ يَدًا بِيَدٍ، وَإِذَا اخْتَلَفَ فَالْقَوْلُ فِيهِ كَمَا وَصَفْت قَبْلَهُ يُبَاعُ رَطْبًا جُزَافًا بِرَطْبٍ جُزَافٍ وَيَابِسٍ جُزَافٍ وَمُتَفَاضِلٍ فِي الْوَزْنِ فَعَلَى هَذَا، هَذَا الْبَابُ كُلُّهُ وَقِيَاسُهُ لاَ يَخْتَلِفُ وَالْقَوْلُ الثَّانِي فِي هَذَا الْوَجْهِ أَنْ يُقَالَ اللَّحْمُ كُلُّهُ صِنْفٌ كَمَا أَنَّ التَّمْرَ كُلَّهُ صِنْفٌ وَمَنْ قَالَ هَذَا لَزِمَهُ عِنْدِي أَنْ يَقُولَ فِي الْحِيتَانِ؛ لِأَنَّ اسْمَ اللَّحْمِ جَامِعٌ لِهَذَا الْقَوْلِ وَمَنْ ذَهَبَ هَذَا الْمَذْهَبَ لَزِمَهُ إذَا أَخَذَهُ بِجِمَاعِ اللَّحْمِ أَنْ يَقُولَ هَذَا كَجِمَاعِ الثَّمَرِ يَجْعَلُ الزَّبِيبَ وَالتَّمْرَ وَغَيْرَهُ مِنْ الثِّمَارِ صِنْفًا وَهَذَا مِمَّا لاَ يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَهُ عِنْدِي وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ، فَإِنْ ذَهَبَ إلَى أَنَّ حَالِفًا لَوْ حَلَفَ أَنْ لاَ يَأْكُلَ لَحْمًا حَنِثَ بِلَحْمِ الْإِبِلِ حِنْثَهُ بِلَحْمِ الْغَنَمِ فَكَذَلِكَ لَوْ حَلَفَ أَنْ لاَ يَأْكُلَ ثَمَرًا حَنِثَ بِالزَّبِيبِ حِنْثَهُ بِالتَّمْرِ وَحِنْثَهُ بِالْفِرْسِكِ وَلَيْسَ الْأَيْمَانُ مِنْ هَذَا بِسَبِيلِ الْأَيْمَانِ عَلَى الْأَسْمَاءِ وَالْبُيُوعِ عَلَى الْأَصْنَافِ وَالْأَسْمَاءُ الْخَاصَّةُ دُونَ الْأَسْمَاءِ الْجَامِعَةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: الصِّنْفُ مِنْ الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ الَّذِي يَكُونُ رَطْبًا أَبَدًا إذَا تُرِكَ لَمْ يَيْبَسْ مِثْلُ الزَّيْتِ وَالسَّمْنِ وَالشَّيْرَجِ وَالْأَدْهَانِ وَاللَّبَنِ وَالْخَلِّ وَغَيْرِهِ مِمَّا لاَ يَنْتَهِي بِيُبْسٍ فِي مُدَّةٍ جَاءَتْ عَلَيْهِ أَبَدًا إلَّا أَنْ يَبْرُدَ فَيَجْمُدَ بَعْضُهُ ثُمَّ يَعُودُ ذَائِبًا كَمَا كَانَ أَوْ بِأَنْ يَنْقَلِبَ بِأَنْ يُعْقَدَ عَلَى نَارٍ أَوْ يُحْمَلَ عَلَيْهِ يَابِسٌ فَيَصِيرُ هَذَا يَابِسًا بِغَيْرِهِ وَعَقْدِ نَارٍ فَهَذَا الصِّنْفُ خَارِجٌ مِنْ مَعْنَى مَا يَكُونُ رَطْبًا بِمَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا: أَنَّ رُطُوبَةَ مَا يَبِسَ مِنْ التَّمْرِ رُطُوبَةٌ فِي شَيْءٍ خُلِقَ مُسْتَجْسَدًا إنَّمَا هُوَ رُطُوبَةٌ طَرَاءَةً كَطَرَاءَةِ اغْتِذَائِهِ فِي شَجَرِهِ وَأَرْضِهِ فَإِذَا زَايَلَ مَوْضِعَ الِاغْتِذَاءِ مِنْ مَنْبَتِهِ عَادَ إلَى الْيُبْسِ وَمَا وَصَفْت رُطُوبَةً مُخْرَجَةً مِنْ إنَاثِ الْحَيَوَانِ أَوْ ثَمَرِ شَجَرٍ أَوْ زَرْعٍ قَدْ زَايَلَ الشَّجَرَ وَالزَّرْعَ الَّذِي هُوَ لاَ يَنْقُصُ بِمُزَايَلَةِ الْأَصْلِ الَّذِي هُوَ فِيهِ نَفْسُهُ وَلاَ يَجِفُّ بِهِ بَلْ يَكُونُ مَا هُوَ فِيهِ رَطْبًا مِنْ طِبَاعِ رُطُوبَتِهِ وَالثَّانِي أَنَّهُ لاَ يَعُودُ يَابِسًا كَمَا يَعُودُ غَيْرُهُ إذَا تُرِكَ مُدَّةً إلَّا بِمَا وَصَفْت مِنْ أَنْ يُصْرَفَ بِإِدْخَالِ غَيْرِهِ عَلَيْهِ بِخَلْطِهِ وَإِدْخَالِ عَقْدِ النَّارِ عَلَى مَا يُعْقَدُ مِنْهُ فَلَمَّا خَالَفَهُ بِأَنْ لَمْ تَكُنْ فِيهِ الرُّطُوبَةُ الَّتِي رُطُوبَتُهُ تُفْضِي إلَى جُفُوفِهِ إذَا تُرِكَ بِلاَ عَمَلِ الْآدَمِيِّينَ لَمْ يَجُزْ أَنْ نَقِيسَهُ عَلَيْهِ وَجَعَلْنَا حُكْمَ رُطُوبَتِهِ حُكْمَ جُفُوفِهِ؛ لِأَنَّا كَذَلِكَ نَجِدُهُ فِي كُلِّ أَحْوَالِهِ لاَ مُنْتَقِلاً إلَّا بِنَقْلِ غَيْرِهِ فَقُلْنَا لاَ بَأْسَ بِلَبَنٍ حَلِيبٍ بِلَبَنٍ حَامِضٍ وَكَيْفَمَا كَانَ بِلَبَنٍ كَيْفَمَا كَانَ حَلِيبًا أَوْ رَائِبًا أَوْ حَامِضًا وَلاَ حَامِضَ بِحَلِيبٍ وَلاَ حَلِيبَ بِرَائِبٍ مَا لَمْ يَخْلِطْهُ مَاءٌ فَإِذَا خَلَطَهُ مَاءٌ فَلاَ خَيْرَ فِيهِ إذَا خَلَطَ الْمَاءُ أَحَدَ اللَّبَنَيْنِ أَوْ كِلَيْهِمَا؛ لِأَنَّ الْمَاءَ غِشٌّ لاَ يَتَمَيَّزُ فَلَوْ أَجَزْنَاهُ أَجَزْنَا الْغَرَرَ وَلَوْ تَرَاضَيَا بِهِ لَمْ يَجُزْ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ مَاءٌ وَلَبَنٌ مُخْتَلَطَانِ لاَ تُعْرَفُ حِصَّةُ الْمَاءِ مِنْ اللَّبَنِ فَنَكُونُ أَجَزْنَا اللَّبَنَ بِاللَّبَنِ مَجْهُولاً أَوْ مُتَفَاضِلاً أَوْ جَامِعًا لَهُمَا وَمَا كَانَ يَحْرُمُ الْفَضْلُ فِي بَعْضِهِ عَلَى بَعْضٍ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُبْتَاعَ إلَّا مَعْلُومًا كُلَّهُ كَيْلاً بِكَيْلٍ أَوْ وَزْنًا بِوَزْنٍ فَجِمَاعُ عِلْمِ بَيْعِ اللَّبَنِ بِاللَّبَنِ أَنَّهُ يَجُوزُ كَيْفَمَا كَانَ اللَّبَنُ بِاللَّبَنِ لَمْ يَخْلِطْ وَاحِدًا مِنْهُمَا مَاءٌ وَيُرَدَّانِ خَلَطَهُمَا مَاءٌ أَوْ وَاحِدًا مِنْهُمَا وَلاَ يَجُوزُ إذَا كَانَ اللَّبَنُ صِنْفًا وَاحِدًا إلَّا يَدًا بِيَدٍ مِثْلاً بِمِثْلٍ كَيْلاً بِكَيْلٍ وَالصِّنْفُ الْوَاحِدُ لَبَنُ الْغَنَمِ مَاعِزُهُ وَضَائِنُهُ وَالصِّنْفُ الَّذِي يُخَالِفُهُ الْبَقَرُ دِرْبَانِيُّهُ وَعَرَبِيُّهُ وَجَوَامِيسُهُ وَالصِّنْفُ الْوَاحِدُ الَّذِي يُخَالِفُهُمَا مَعًا لَبَنُ الْإِبِلِ أَوَارِكُهَا وَغَوَادِيهَا وَمُهْرِيُّهَا وَبُخْتُهَا وَعِرَابُهَا وَأَرَاهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ جَائِزٌ أَنْ يُبَاعَ لَبَنُ الْغَنَمِ بِلَبَنِ الْبَقَرِ وَلَبَنُ الْبَقَرِ بِلَبَنِ الْإِبِلِ؛ لِأَنَّهَا مُخْتَلِفَةٌ مُتَفَاضِلاً وَمُسْتَوِيًا وَجُزَافًا وَكَيْفَ مَا شَاءَ الْمُتَبَايِعَانِ يَدًا بِيَدٍ لاَ خَيْرَ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْآخَرِ نَسِيئَةً وَلاَ خَيْرَ فِي لَبَنٍ مَغْلِيٍّ. بِلَبَنٍ عَلَى وَجْهِهِ؛ لِأَنَّ الْإِغْلاَءَ يَنْقُصُ اللَّبَنَ وَلاَ خَيْرَ فِي لَبَنِ غَنَمٍ بِأَقِطِ غَنَمٍ مِنْ قِبَلِ أَنَّ الْأَقِطَ لَبَنٌ مَعْقُودٌ فَإِذَا بِعْت اللَّبَنَ بِالْأَقِطِ أَجَزْت اللَّبَنَ بِاللَّبَنِ مَجْهُولاً وَمُتَفَاضِلاً أَوْ جَمَعْتهمَا مَعًا فَإِذَا اخْتَلَفَ اللَّبَنُ وَالْأَقِطُ فَلاَ بَأْسَ بِلَبَنِ إبِلٍ بِأَقِطِ غَنَمٍ وَلَبَنِ بَقَرٍ بِأَقِطِ غَنَمٍ لِمَا وَصَفْت مِنْ اخْتِلاَفِ اللَّبَنَيْنِ يَدًا بِيَدٍ وَلاَ خَيْرَ فِيهِ نَسِيئَةً قَالَ وَلاَ أُحِبُّ أَنْ يَشْتَرِيَ زُبْدًا مِنْ غَنَمٍ بِلَبْنِ غَنَمٍ؛ لِأَنَّ الزُّبْدَ شَيْءٌ مِنْ اللَّبَنِ وَهُمَا مَأْكُولاَنِ فِي حَالِهَا الَّتِي يَتَبَايَعَانِ فِيهَا وَلاَ خَيْرَ فِي سَمْنِ غَنَمٍ بِزُبْدِ غَنَمٍ بِحَالٍ؛ لِأَنَّ السَّمْنَ مِنْ الزُّبْدِ بِيعَ مُتَفَاضِلاً أَوْ مَجْهُولاً وَهُمَا مَكِيلاَنِ أَوْ مَوْزُونَانِ فِي الْحَالِ الَّتِي يَتَبَايَعَانِ وَمِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ، وَإِذَا اخْتَلَفَ الزُّبْدُ وَالسَّمْنُ فَكَانَ زُبْدُ غَنَمٍ بِزُبْدِ بَقَرٍ أَوْ سَمْنُ غَنَمٍ بِزُبْدِ بَقَرٍ فَلاَ بَأْسَ لِاخْتِلاَفِهِمَا بِأَنْ يُبَاعَا كَيْفَ شَاءَ الْمُتَبَايِعَانِ إذَا تَقَابَضَا قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقَا. قَالَ وَلاَ بَأْسَ بِلَبَنٍ بِشَاةٍ يَدًا بِيَدٍ وَنَسِيئَةً إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا نَقْدًا وَالدَّيْنُ مِنْهُمَا مَوْصُوفًا قَالَ، وَإِنْ كَانَتْ الشَّاةُ لَبُونًا وَكَانَ اللَّبَنُ لَبَنَ غَنَمٍ وَفِي الشَّاةِ حِينَ تَبَايَعَا لَبَنٌ ظَاهِرٌ يَقْدِرُ عَلَى حَلْبِهِ فِي سَاعَتِهِ تِلْكَ فَلاَ خَيْرَ فِي الشِّرَاءِ مِنْ قِبَلِ أَنَّ فِي الشَّاةِ لَبَنًا لاَ أَدْرِي كَمْ حِصَّتُهُ مِنْ اللَّبَنِ الَّذِي اشْتَرَيْت بِهِ نَقْدًا، وَإِنْ كَانَ اللَّبَنُ نَسِيئَةً فَهُوَ أَفْسَدُ لِلْبَيْعِ، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ وَكَيْفَ جَعَلْتَ لِلَّبَنِ وَهُوَ مَغِيبٌ حِصَّةً مِنْ الثَّمَنِ؟ قِيلَ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ لِلَّبَنِ الْمُصَرَّاةِ حِصَّةً مِنْ الثَّمَنِ وَإِنَّمَا اللَّبَنُ فِي الضُّرُوعِ كَاللَّوْزِ وَالْجَوْزِ الرَّائِعِ فِي قِشْرِهِ فَيَسْتَخْرِجُهُ صَاحِبُهُ إذَا شَاءَ وَلَيْسَ كَمَوْلُودٍ لاَ يَقْدِرُ آدَمِيٌّ عَلَى إخْرَاجِهِ وَلاَ ثَمَرَةٍ لاَ يَقْدِرُ آدَمِيٌّ عَلَى إخْرَاجِهَا، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ كَيْفَ أَجَزْت لَبَنَ الشَّاةِ بِالشَّاةِ وَقَدْ يَكُونُ مِنْهَا اللَّبَنُ؟ قَالَ فَيُقَالُ إنَّ الشَّاةَ نَفْسَهَا لاَ رِبَا فِيهَا؛ لِأَنَّهَا مِنْ الْحَيَوَانِ وَلَيْسَ بِمَأْكُولٍ فِي حَالِهِ الَّتِي يُبَاعُ فِيهَا إنَّمَا تُؤْكَلُ بَعْدَ الذَّبْحِ وَالسَّلْخِ وَالطَّبْخِ وَالتَّجْفِيفِ فَلاَ تُنْسَبُ الْغَنَمُ إلَى أَنْ تَكُونَ مَأْكُولَةً إنَّمَا تُنْسَبُ إلَى أَنَّهَا حَيَوَانٌ. قَالَ وَالْآدَامُ كُلُّهَا سَوَاءٌ السَّمْنُ وَاللَّبَنُ وَالشَّيْرَجُ وَالزَّيْتُ وَغَيْرُهُ لاَ يَحِلُّ الْفَضْلُ فِي بَعْضِهِ عَلَى بَعْضٍ يَدًا بِيَدٍ إذَا كَانَ مِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ فَزَيْتُ الزَّيْتُونِ صِنْفٌ وَزَيْتُ الْفُجْلِ صِنْفٌ غَيْرُهُ وَدُهْنُ كُلِّ شَجَرَةٍ تُؤْكَلُ أَوْ تُشْرَبُ بَعْدَ الَّذِي وَصَفْت وَاحِدٌ لاَ يَحِلُّ فِي شَيْءٍ مِنْهُ الْفَضْلُ فِي بَعْضِهِ عَلَى بَعْضٍ يَدًا بِيَدٍ، وَإِذَا اخْتَلَفَ الصِّنْفَانِ مِنْهُ حَلَّ الْفَضْلُ فِي بَعْضِهِ عَلَى بَعْضٍ يَدًا بِيَدٍ وَلَمْ يَجُزْ نَسِيئَةً وَلاَ بَأْسَ بِدُهْنِ الْحَبِّ الْأَخْضَرِ بِدُهْنِ الشَّيْرَجِ مُتَفَاضِلاً يَدًا بِيَدٍ وَلاَ خَيْرَ فِيهِ نَسِيئَةً قَالَ وَالْأَدْهَانُ الَّتِي تُشْرَبُ لِلدَّوَاءِ عِنْدِي فِي هَذِهِ الصِّفَةِ دُهْنُ الْخِرْوَعِ وَدُهْنُ اللَّوْزِ الْمُرِّ وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَدْهَانِ وَمَا كَانَ مِنْ الْأَدْهَانِ لاَ يُؤْكَلُ وَلاَ يُشْرَبُ بِحَالٍ فَهُوَ خَارِجٌ مِنْ حَدِّ الرِّبَا وَهُوَ فِي مَعْنَى غَيْرِ الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ لاَ رِبَا فِي بَعْضِهِ عَلَى بَعْضٍ يَدًا بِيَدٍ وَنَسِيئَةً وَيَحِلُّ أَنْ يُبَاعَ إذَا كَانَتْ فِيهِ مَنْفَعَةٌ وَلَمْ يَكُنْ مُحَرَّمًا فَأَمَّا مَا فِيهِ سُمٌّ أَوْ غَيْرُهُ فَلاَ خَيْرَ فِي شِرَائِهِ وَلاَ بَيْعِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ يُوضَعُ مِنْ ظَاهِرٍ فَيَبْرَأُ فَلاَ يُخَافُ مِنْهُ التَّلَفُ فَيُشْتَرَى لِلْمَنْفَعَةِ فِيهِ. قَالَ وَكُلُّ مَا لَمْ يَجُزْ أَنْ يُبْتَاعَ إلَّا مِثْلاً بِمِثْلٍ وَكِيلاً بِكَيْلٍ يَدًا بِيَدٍ وَزْنًا بِوَزْنٍ فَالْقَسْمُ فِيهِ كَالْبَيْعِ لاَ يَجُوزُ أَنْ يُقَسَّمَ ثَمَرُ نَخْلٍ فِي شَجَرِهِ رَطْبًا وَلاَ يَابِسًا وَلاَ عِنَبُ كَرْمٍ وَلاَ حَبُّ حِنْطَةٍ فِي سُنْبُلِهِ وَلاَ غَيْرُهُ مِمَّا الْفَضْلُ فِي بَعْضِهِ عَلَى بَعْضٍ الرِّبَا وَكَذَلِكَ لاَ يُشْتَرَى بَعْضُهُ بِبَعْضٍ وَلاَ يُبَادَلُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ؛ لِأَنَّ هَذَا كُلَّهُ فِي مَعْنَى الشِّرَاءِ قَالَ وَكَذَلِكَ لاَ يَقْتَسِمَانِ طَعَامًا مَوْضُوعًا بِالْأَرْضِ بِالْحَزْرِ حَتَّى يَقْتَسِمَاهُ بِالْكَيْلِ وَالْوَزْنِ لاَ يَجُوزُ فِيهِ غَيْرُ ذَلِكَ بِحَالٍ وَلَسْت أَنْظُرُ فِي ذَلِكَ إلَى حَاجَةِ رَجُلٍ إلَى ثَمَرٍ رَطْبٍ؛ لِأَنِّي لَوْ أَجَزْته رَطْبًا لِلْحَاجَةِ أَجَزْته يَابِسًا لِلْحَاجَةِ وَبِالْأَرْضِ لِلْحَاجَةِ وَمَنْ احْتَاجَ إلَى قَسْمِ شَيْءٍ لَمْ يَحْلُلْ لَهُ بِالْحَاجَةِ مَا لاَ يَحِلُّ لَهُ فِي أَصْلِهِ وَلَيْسَ يَحِلُّ بِالْحَاجَةِ مُحَرَّمٌ إلَّا فِي الضَّرُورَاتِ مِنْ خَوْفِ تَلَفِ النَّفْسِ فَأَمَّا غَيْرُ ذَلِكَ فَلاَ أَعْلَمُهُ يَحِلُّ لِحَاجَةٍ وَالْحَاجَةُ فِيهِ وَغَيْرُ الْحَاجَةِ سَوَاءٌ، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَكَيْفَ أَجَزْت الْخَرْصَ فِي الْعِنَبِ وَالنَّخْلِ ثُمَّ تُؤْخَذُ صَدَقَتُهُ كَيْلاً وَلاَ تُجِيزُ أَنْ يُقَسَّمَ بِالْخَرْصِ؟ قِيلَ لَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى لِافْتِرَاقِ مَا تُؤْخَذُ بِهِ الصَّدَقَاتُ وَالْبُيُوعُ وَالْقَسْمُ، فَإِنْ قَالَ فَافْرُقْ بَيْنَ الصَّدَقَاتِ وَغَيْرِهَا قُلْت أَرَأَيْت رَجُلَيْنِ بَيْنَهُمَا ثَمَرُ حَائِطٍ لِأَحَدِهِمَا عُشْرُهُ وَالْآخَرُ تِسْعَةُ أَعْشَارِهِ فَأَرَادَ صَاحِبُ الْعُشْرِ أَنْ يَأْخُذَ عُشْرَهُ مِنْ وَسَطِ الطَّعَامِ أَوْ أَعْلاَهُ أَوْ أَرْدَئِهِ أَيَكُونُ لَهُ ذَلِكَ؟، فَإِنْ قَالَ لاَ وَلَكِنَّهُ شَرِيكٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ مِنْهُ رَدِيءٌ أَوْ جَيِّدٌ بِالْقَسَمِ قُلْنَا فالجعرور وَمُصْرَانُ الْفَأْرَةِ؟، فَإِنْ قَالَ نَعَمْ قِيلَ فَالْمُصَدِّقُ لاَ يَأْخُذُ الجعرور وَلاَ مُصْرَانَ الْفَأْرَةِ وَيَكُونُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ وَسَطَ التَّمْرِ وَلاَ يَكُونُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الصَّدَقَةَ خَرْصًا إنَّمَا يَأْخُذُهَا كَيْلاً وَالْمُقْتَسِمَانِ يَأْخُذَانِ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خَرْصًا فَيَأْخُذُ أَحَدُهُمَا أَكْثَرَ مِمَّا يَأْخُذُ الْآخَرُ وَيَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَجْهُولَ الْكَيْلِ أَوْ رَأَيْت لَوْ كَانَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ غَنَمٌ لِأَحَدِهِمَا رُبْعُ عُشْرِهَا وَكَانَتْ مِنْهَا تِسْعٌ وَثَلاَثُونَ لَبُونًا وَشَاةٌ ثَنِيَّةٌ أَكَانَ عَلَى صَاحِبِ رُبْعِ الْعُشْرِ إنْ أَرَادَ الْقَسْمَ أَنْ يَأْخُذَ شَاةً ثَنِيَّةً قِيمَتُهَا أَقَلُّ مِنْ قِيمَةِ نِصْفِ شَاةٍ مِنْ اللَّبَنِ؟ فَإِنْ قَالَ لاَ قِيلَ فَهَذَا عَلَى الْمُصَدِّقِ أَوْ رَأَيْت لَوْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا وَالْغَنَمُ كُلُّهَا أَوْ أَكْثَرُهَا دُونَ الثَّنِيَّةِ وَفِيهَا شَاةٌ ثَنِيَّةٌ أَيَأْخُذُهَا؟، فَإِنْ قَالَ لاَ يَأْخُذُ إلَّا شَاةً بِقِيمَةٍ وَيَكُونُ شَرِيكًا فِي مُنْخَفِضِ الْغَنَمِ وَمُرْتَفِعِهِ قِيلَ فَالْمُصَدِّقُ يَأْخُذُهَا وَلاَ يُقَاسَ بِالصَّدَقَةِ شَيْءٌ مِنْ الْبُيُوعِ وَلاَ الْقَسْمِ، الْمُقَاسِمُ شَرِيكٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ مِمَّا يُقَاسَمُ أَبَدًا إلَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّا يُكَالُ مِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ أَوْ بِقِيمَتِهِ إذَا اخْتَلَفَ الْأَصْنَافُ مِمَّا لاَ يُكَالُ وَلاَ يُوزَنُ وَيَكُونُ شَرِيكًا فِيمَا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ بِقَدْرِ حَقِّهِ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ، وَلاَ يُقَسِّمُ الرَّجُلاَنِ الثَّمَرَةَ بَلَحًا وَلاَ طَلْعًا وَلاَ بُسْرًا وَرُطَبًا، وَلاَ تَمْرًا بِحَالٍ، فَإِنْ فَعَلاَ فَفَاتَتْ طَلْعًا أَوْ بُسْرًا أَوْ بَلَحًا، فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قِيمَةُ مَا اسْتَهْلَكَ، يَرُدُّهُ وَيَقْتَسِمَانِهِ قَالَ: وَهَكَذَا كُلُّ قَسْمٍ فَاسِدٍ يَرْجِعُ عَلَى مَنْ اسْتَهْلَكَهُ بِمِثْلِ مَا كَانَ لَهُ مِثْلٌ وَقِيمَةٌ، مَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مِثْلٌ قَالَ: وَلَوْ كَانَتْ بَيْنَ رَجُلَيْنِ نَخْلٌ مُثْمِرَةٌ فَدَعَوَا إلَى اقْتِسَامِهَا قِيلَ لَهُمَا إنْ شِئْتُمَا قَسَمْنَا بَيْنَكُمَا بِالْكَيْلِ. قَالَ: وَالْبَقْلُ الْمَأْكُولُ كُلُّهُ سَوَاءٌ، لاَ يَجُوزُ الْفَضْلُ فِي بَعْضِهِ عَلَى بَعْضٍ، فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَ رَجُلٌ رَجُلاً رَكِيبَ هِنْدِبًا، بِرَكِيبِ هِنْدِبًا، وَلاَ بِأَكْثَرَ، وَلاَ يَصْلُحُ إلَّا مِثْلاً بِمِثْلٍ، وَلَكِنْ رَكِيبُ هِنْدِبًا، بِرَكِيبِ جِرْجِيرٍ، وَرَكِيبُ جِرْجِيرٍ، بِرَكِيبِ سَلْقٍ، وَرَكِيبُ سَلْقٍ، بِرَكِيبِ كُرَّاثٍ، وَرَكِيبُ كُرَّاثٍ، بِرَكِيبِ جِرْجِيرٍ، إذَا اخْتَلَفَ الْجِنْسَانِ، فَلاَ بَأْسَ بِالْفَضْلِ فِي بَعْضِهِ عَلَى بَعْضٍ، يَدًا بِيَدٍ، وَلاَ خَيْرَ فِيهِ نَسِيئَةً. وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُبَاعَ مِنْهُ شَيْءٌ إلَّا بِجَزِّ مَكَانِهِ، فَأَمَّا أَنْ يُبَاعَ عَلَى أَنْ يُتْرَكَ مُدَّةً يَطُولُ فِي مِثْلِهَا، فَلاَ خَيْرَ فِيهِ، مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ لاَ يَتَمَيَّزُ الْمَبِيعُ مِنْهُ مِنْ الْحَادِثِ الَّذِي لَمْ يُبَعْ وَلاَ يُبَاعُ إلَّا جِزَّةً جِزَّةً عِنْدَ جِزَازِهَا، كَمَا قُلْنَا فِي الْقَصَبِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: أَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ الْتَمَسَ صَرْفًا بِمِائَةِ دِينَارٍ، قَالَ: فَدَعَانِي طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، فَتَرَاوَضْنَا حَتَّى اصْطَرَفَ مِنِّي، وَأَخَذَ الذَّهَبَ يُقَلِّبُهَا فِي يَدِهِ، ثُمَّ قَالَ: حَتَّى يَأْتِيَ خَازِنِي مِنْ الْغَابَةِ، أَوْ حَتَّى تَأْتِيَ خَازِنَتِي مِنْ الْغَابَةِ، وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَسْمَعُ، فَقَالَ عُمَرُ لاَ وَاَللَّهِ لاَ تُفَارِقُهُ حَتَّى تَأْخُذَ مِنْهُ ثُمَّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الذَّهَبُ بِالْوَرِقِ رِبًا إلَّا هَاءَ وَهَاءَ وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ رِبًا إلَّا هَاءَ وَهَاءَ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ رِبًا إلَّا هَاءَ وَهَاءَ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ رِبًا إلَّا هَاءَ وَهَاءَ». قَالَ الشَّافِعِيُّ: قَرَأْته عَلَى مَالِكٍ صَحِيحًا لاَ شَكَّ فِيهِ ثُمَّ طَالَ عَلَيَّ الزَّمَانُ وَلَمْ أَحْفَظْ حِفْظًا، فَشَكَكْت فِي خَازِنَتِي أَوْ خَازِنِي؛ وَغَيْرِي يَقُولُ عَنْهُ: خَازِنِي. «أَخْبَرْنَا» ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلُ مَعْنَى حَدِيثِ مَالِكٍ وَقَالَ: حَتَّى يَأْتِيَ خَازِنِي مِنْ الْغَابَةِ فَحَفِظْته لاَ شَكَّ فِيهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لاَ تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ، إلَّا مِثْلاً بِمِثْلٍ، وَلاَ تَبِيعُوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ، وَلاَ تَبِيعُوا الْوَرِقَ بِالْوَرِقِ إلَّا مِثْلاً بِمِثْلٍ، وَلاَ تَبِيعُوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ، وَلاَ تَبِيعُوا مِنْهَا غَائِبًا بِنَاجِزٍ». قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَحَدِيثُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَدُلَّانِ عَلَى مَعَانٍ، مِنْهَا تَحْرِيمُ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ إلَّا مِثْلاً بِمِثْلٍ، يَدًا بِيَدٍ، وَلاَ يُبَاعُ مِنْهَا غَائِبٌ بِنَاجِزٍ وَحَدِيثُ عُمَرَ يَزِيدُ عَلَى حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنَّ الَّذِي حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَا سُمِّيَ مِنْ الْمَأْكُولِ الْمَكِيلِ كَاَلَّذِي حَرُمَ فِي الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ، سَوَاءٌ لاَ يَخْتَلِفَانِ وَقَدْ ذَكَرَ عُبَادَةُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ مَعْنَاهُمَا، وَأَكْثَرَ وَأَوْضَحَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِنَّمَا حَرَّمْنَا غَيْرَ مَا سَمَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْمَأْكُولِ وَالْمَكِيلِ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى مَا سَمَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُ وَكَذَلِكَ حَرَّمْنَا الْمَأْكُولَ وَالْمَوْزُونَ؛ لِأَنَّ الْكَيْلَ فِي مَعْنَى الْوَزْنِ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ مَعْلُومٌ عِنْدَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي، بِمِثْلِ مَا عُلِمَ بِالْكَيْلِ أَوْ أَكْثَرَ؛ لِأَنَّ الْوَزْنَ أَقْرَبُ مِنْ الْإِحَاطَةِ مِنْ الْكَيْلِ فَلاَ يُوجَدُ فِي الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ مَعْنًى أَقْرَبُ مِنْ الْإِحَاطَةِ مِنْهُمَا، فَاجْتَمَعَا عَلَى أَنَّهُ أُرِيدَ بِهِمَا أَنْ يَكُونَا مَعْلُومَيْنِ، وَأَنَّهُمَا مَأْكُولاَنِ، فَكَانَ الْوَزْنُ قِيَاسًا عَلَى الْكَيْلِ فِي مَعْنَاهُ، وَمَا أُكِلَ مِنْ الْكَيْلِ وَلَمْ يُسَمَّ، قِيَاسًا عَلَى مَعْنَى مَا سُمِّيَ مِنْ الطَّعَامِ، فِي مَعْنَاهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُقَاسَ الْوَزْنُ مِنْ الْمَأْكُولِ عَلَى الْوَزْنِ مِنْ الذَّهَبِ؛ لِأَنَّ الذَّهَبَ غَيْرُ مَأْكُولٍ، وَكَذَلِكَ الْوَرِقُ لَوْ قِسْنَاهُ عَلَيْهِ وَتَرَكْنَا الْمَكِيلَ الْمَأْكُولَ، قِسْنَا عَلَى أَبْعَدَ مِنْهُ مِمَّا تَرَكْنَا أَنْ نَقِيسَهُ عَلَيْهِ، وَلاَ يَجُوزُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنْ يُقَاسَ عَلَى الْأَبْعَدِ وَيُتْرَكَ الْأَقْرَبُ وَلَزِمَنَا أَنْ لاَ نُسَلِّمَ دِينَارًا فِي مَوْزُونٍ مِنْ طَعَامٍ أَبَدًا وَلاَ غَيْرِهِ، كَمَا لاَ يَجُوزُ أَنْ نُسَلِّمَ دِينَارًا فِي مَوْزُونٍ مِنْ فِضَّةٍ، وَلاَ أَعْلَمُ الْمُسْلِمِينَ اخْتَلَفُوا فِي أَنَّ الدَّنَانِيرَ وَالدَّرَاهِمَ يُسَلَّمَانِ فِي كُلِّ شَيْءٍ، إلَّا أَنَّ أَحَدَهُمَا لاَ يُسَلَّمُ فِي الْآخَرِ، لاَ ذَهَبَ فِي ذَهَبٍ، وَلاَ وَرِقَ فِي وَرِقٍ، إلَّا فِي الْفُلُوسِ فَإِنَّ مِنْهُمْ مَنْ كَرِهَهُ.
|